الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
              صفحة جزء
              568 - سعيد بن إسماعيل

              ومنهم العارف الفاصح والعابد الناصح ، كان بالحكم منطيقا فصيحا وللمريدين شفيقا نصيحا ، علمهم الآداب الرفيعة ونبههم على ملازمة الشريعة ، كان إلى موافقة الحق مجذوبا وعن حظوظ النفس مطهرا مسلوبا ، أبو عثمان سعيد بن إسماعيل بن سعيد الحيري ، رازي المولد ، خرج زائرا إلى أبي حفص النيسابوري مع شيخه شاه الكرماني فقبله أبو حفص وحبسه عنده وصار له سكنا وعلى ابنته ختنا ، كان حميد الأخلاق مديد الأرفاق بقيت بركته وآثاره على أهل نيسابور ، وتوفي بها سنة ثمان وتسعين ومائتين فيما ذكره لي أبو عمرو بن حمدان ، وأنه حضر الصلاة عليه ودفن بمقبرة الحيرة عند قبر أستاذه أبي حفص النيسابوري وزرت قبريهما سنة إحدى وسبعين وثلاثمائة .

              سمعت أبا عمرو بن حمدان يقول : سمعت أبا عثمان الحيري يقول : من أمر السنة على نفسه قولا وفعلا نطق بالحكمة ، ومن أمر الهوى على نفسه نطق بالبدعة لقوله تعالى : ( وإن تطيعوه تهتدوا ) .

              سمعت عبد الله بن محمد المعلم ، صاحب الخان يقول : سمعت أبا عمر بن نجيد يقول : قال محمد بن الفضل البلخي : إن الله تعالى زين أبا عثمان بفنون عبوديته وأبرزه للناس ليعلمهم آداب العبودية .

              سمعت محمد بن الحسين بن موسى يقول : سمعت جدي أبا عمر بن نجيد يقول : سمعت أبا عثمان يقول : منذ أربعين سنة ما أقامني الله في حال فكرهته ولا نقلني إلى غيره فسخطته .

              سمعت محمد بن أحمد بن عثمان يقول : سمعت أبا عثمان يقول : موافقة الإخوان خير من الشفقة عليهم .

              سمعت أبا عمرو بن حمدان يقول : قرأت بخط أبي أحمد بن حمدان : سمعت أبا عثمان يقول : صلاح القلب من أربع خصال : التواضع لله ، والفقر إلى الله ، والخوف من الله ، والرجاء لله .

              قال : وسمعت أبا عثمان يقول : لا يكمل [ ص: 245 ] الرجل حتى يستوي قلبه في أربعة أشياء : في المنع والعطاء والعز والذل .

              قال : وسمعت أبا عثمان يقول : أصل العداوة من ثلاثة أشياء : من الطمع في المال ، والطمع في إكرام الناس ، والطمع في قبول الناس .

              قال : وسمعت أبا عثمان يقول : الخوف من الله يوصلك إلى الله والكبر والعجب في نفسك يقطعك عن الله ، واحتقار الناس في نفسك مرض لا يداوى .

              وقال أبو عثمان : سرورك بالدنيا أذهب سرورك بالله عن قلبك ، وخوفك من غير الله أذهب خوفك من الله عن قلبك ، ورجاؤك ممن دونه أذهب رجاءك له عن قلبك .

              وقال أبو عثمان : حق لمن أعزه الله بالمعرفة أن لا يذل نفسه بالمعصية .

              وقال أبو عثمان : أصل التعلق بالخيرات قصور الأمل .

              وقال أبو عثمان : أنت مسجون ما تبعت مرادك وشهوتك ، فإذا فوضت وسلمت استرحت .

              سمعت محمد بن الحسين يقول : سمعت عبد الله الرازي يقول : لما تغير الحال على أبي عثمان وقت وفاته مزق ابنه أبو بكر قميصا كان عليه ، ففتح أبو عثمان عينيه وقال : يا بني خلاف السنة في الظاهر رياء باطن في القلب .

              سمعت محمد بن الحسين يقول : سمعت محمد بن أحمد الملامتي يقول : سمعت الحسين الوراق يقول : سألت أبا عثمان عن الصحبة ، فقال : الصحبة مع الله عز وجل بحسن الأدب ودوام الهيبة والمراقبة ، والصحبة مع الرسول صلى الله عليه وسلم باتباع سنته ولزوم ظاهر العلم ، والصحبة مع أولياء الله بالاحترام والحرمة ، والصحبة مع الأهل والولد بحسن الخلق ، والصحبة مع الإخوان بدوام البشر والانبساط ما لم يكن إثما ، والصحبة مع الجهال بالدعاء لهم والرحمة عليهم ، ورؤية نعمة الله عليك أن عافاك مما ابتلاهم به .

              سمعت محمد بن الحسين يقول : سمعت أبا الحسين الفارسي يقول : سمعت محمد بن أحمد بن يوسف يقول : سمعت أبا عثمان يقول : تعززوا بعز الله كي لا تذلوا .

              وقال أبو عثمان : العاقل من تأهب للمخاوف قبل وقوعها ، والتفويض بما جهلت علمه إلى عالمه ، والتفويض مقدمة للرضا ، والرضا باب الله [ ص: 246 ] الأعظم ، والذكر الكثير أن تذكره في ذكرك له أنك لم تصل إلى ذكره إلا به وبفضله .

              سمعت محمد بن الحسين يقول : سمعت محمد بن أحمد بن إبراهيم يقول : سمعت أبا الحسين الوراق يقول : سئل أبو عثمان : كيف يستجيز العاقل أن يزيل اللائمة عمن يظلمه ؟ قال : ليعلم أن الله سلطه عليه .

              وقال محفوظ : سئل أبو عثمان : ما علامة السعادة والشقاوة ؟ فقال : علامة السعادة أن تطيع الله وتخاف أن تكون مردودا ، وعلامة الشقاوة أن تعصي الله وترجو أن تكون مقبولا .

              أسند الحديث ، فمن مسانيد حديثه : أخبرنا محمد بن الحسين ، ثنا سعيد بن عبد الله بن سعيد بن إسماعيل قال : وجدت في كتاب جدي أبي عثمان بخطه : حدثني أبو صالح حمدون القصار صاحب أبي محمد بن يحيى النيسابوري ، ثنا قتيبة بن سعيد ، ثنا عبثر ، عن أشعث ، عن محمد ، عن نافع ، عن ابن عمر قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " من مات وعليه صوم شهر رمضان أطعم عنه وليه كل يوم مسكينا " .

              حدثنا سليمان بن أحمد ، ثنا عبدان بن محمد المروزي ، ثنا قتيبة بن سعيد ، ثنا عبثر بن القاسم ، عن أشعث بن سوار ، عن محمد ، عن نافع ، عن ابن عمر ، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " من أفطر يوما من رمضان فمات قبل أن يقضيه فعليه بكل يوم مد لمسكين " . قال سليمان : لم يروه عن أشعث ، إلا عبثر ، ومحمد الذي يروي عنه أشعث هذا الحديث : محمد بن سيرين ، وقيل : محمد بن أبي ليلى .

              التالي السابق


              الخدمات العلمية