الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                        [ ص: 154 ] باب قطاع الطرق

                                                                                                                                                                        فيه أطراف : الأول : في صفتهم ، وتعتبر فيهم الشوكة ، والبعد عن الغوث ، وأن يكونوا مسلمين مكلفين ، فالكفار ليس لهم حكم القطاع وإن أخافوا السبيل ، وقيل : والمراهقون لا عقوبة عليهم ، ويضمنون المال والنفس ، كما لو أتلفوا في غير هذا الحال ، وأما الشوكة ، فقطاع الطريق طائفة يترصدون في المكامن للرفقة ، فإذا رأوهم ، برزوا قاصدين الأموال معتمدين في ذلك على قوة وقدرة يتغلبون بها ، وفيهم شرعت العقوبات الغليظة التي سنصفها إن شاء الله تعالى ، وأما الذين لا يعتمدون قوة ، ولكن ينتهزون ويختلسون ، ويولون معتمدين على ركض الخيل ، أو العدو على الأقدام ، كما يتعرض الواحد والنفر اليسير لأخذ القافلة فيسلبون شيئا ، فليسوا بقطاع ، وحكمهم في الضمان والقصاص حكم غيرهم ، ولو خرج واحد أو شرذمة يسيرة ، فقصدهم جماعة يغلبونهم بقوتهم ، فهم قطاع وإن لم يكثر عددهم ، لاعتمادهم على الشوكة والنجدة بالإضافة إلى الواحد والشرذمة ، كذا نقله الإمام عن طرق الأصحاب ، ويقرب منه ما ذكره ابن كج أنه لو أقام خمسة أو عشرة في كهف ، أو شاهق جبل ، فإن مر بهم قوم لهم شوكة وعدة ، لم يتعرضوا لهم ، وإن مر قوم قليلو العدد ، قصدوهم بالقتل وأخذ المال ، فحكمهم حكم قطاع الطريق في حق الطائفة اليسيرة ، وإن تعرضوا للأقوياء وأخذوا شيئا ، فهم مختلسون ، ورأى الإمام أن يفصل القول في الرفقة اليسيرة والواحد ، فيقال : إن كان خروجهم في مثل ذلك الطريق يعد تضييعا وتغريرا بالنفس والمال ، فالمتعرضون لهم ليسوا بقطاع ، وينزل خروجهم في هذه الحالة كترك المال في موضع لا يعد حرزا ، وأقام الإمام [ ص: 155 ] ما رآه وجها ، ولو كانت الرفقة يتأتى منهم دفع القاصدين ومقاومتهم ، فاستسلموا حتى قتلوا وأخذت أموالهم ، فالقاصدون لهم ليسوا بقطاع ؛ لأن ما فعلوه لم يصدر عن شوكتهم ، بل الرفقة ضيعوا ، هكذا أطلقه الأصحاب ، ويجوز أن يقال : ليست الشوكة مجرد العدد والعدة ، بل تحتاج مع ذلك إلى اتفاق كلمة ومتبوع مطاع وعزيمة على القتال ، والقاصدون للرفقة هكذا يكونون في الغالب ، والرفقة لا تجتمع كلمتهم ، ولا يضبطهم مطاع ، ولا عزم لهم على القتال ، وخلوهم عن هذه الأمور يوقعهم في التخاذل لا عن قصد منهم ، فينبغي أن لا يجعلوا مضيعين ، ولا يخرج قاصدوهم عن كونهم قطاعا ، ولو أن الرفقة قاتلوهم ، ونالت كل طائفة من الأخرى ، فهل هم قطاع ؟ فيه احتمالان للإمام ، أصحهما : نعم ، وبه جزم الغزالي ، وأما البعد عن الغوث ، فإنما اشترط ليمكنهم الاستيلاء والقهر مجاهرة ؛ وذلك إنما يتحقق غالبا في المواضع البعيدة عن العمارة ، ولو خرج جماعة في المصر فحاربوا ، أو أغار عسكر على بلدة أو قرية ، أو خرج أهل أحد طرفي البلد على الطرف الآخر ، وكان لا يلحق المقصودين غوث لو استغاثوا ، فهم قطاع طريق ، وإن كان يلحقهم غوث ، فهم منتهبون ليسوا قطاعا ، وامتناع لحاق الغوث لضعف السلطان أو لبعده وبعد أعوانه ، وقد يغلب أهل الفساد في مثل هذه الحالة ، فلا يقاومهم أهل العفة ، وتتعذر عليهم الاستغاثة ، ولو دخل جماعة بالليل دارا وكابروا ، ومنعوا أصحاب الدار من الاستغاثة مع قوة السلطان وحضوره ، فالأصح أنهم قطاع ، وبه قطع القفال والبغوي ، والثاني : أنهم سراق ، والثالث : مختلسون .

                                                                                                                                                                        فرع

                                                                                                                                                                        لا يشترط في قطاع الطريق الذكورة ، بل لو اجتمع نسوة لهن شوكة وقوة ، فهن قاطعات طريق ، ولا يشترط أيضا شهر السلاح ، بل [ ص: 156 ] الخارجون بالعصي والحجارة قطاع ، وذكر الإمام أنه يكفي القهر وأخذ المال باللكز ، والضرب بجمع الكف ، وفي " التهذيب " نحوه ، وكلام جماعة يقتضي أنه لا بد من آلة ، ولا يشترط العدد ، بل الواحد إذا كان له فضل قوة يغلب بها الجماعة ، وتعرض للنفوس والأموال مجاهرا ، فهو قاطع طريق .

                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية