الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                          صفحة جزء
                                                          [ حنذ ]

                                                          حنذ : حنذ الجدي وغيره يحنذه حنذا : شواه فقط ، وقيل : سمطه . ولحم حنذ : مشوي ، على هذه الصفة وصف بالمصدر ، وكذلك محنوذ وحنيذ . وفي التنزيل العزيز : جاء بعجل حنيذ . قال : محنوذ مشوي . وروى في قوله عز وجل : جاء بعجل حنيذ قال : هو الذي يقطر ماؤه وقد شوي . قال : وهذا أحسن ما قيل فيه . الفراء : الحنيذ ما حفرت له في الأرض ثم غممته ، قال : وهو من فعل أهل البادية معروف ، وهو محنوذ في الأصل وقد حنذ ، فهو محنوذ ، كما قيل : طبيخ ومطبوخ . وقال شمر : الحنيذ الماء السخن . وأنشد لابن ميادة :


                                                          إذا باكرته بالحنيذ غواسله



                                                          وقال أبو زيد : الحنيذ من الشواء النضيج ، وهو أن تدسه في النار . وقال ابن عرفة : بعجل حنيذ أي : مشوي بالرضاف حتى يقطر عرقا . وحنذته الشمس والنار إذا شوتاه . والشواء المحنوذ : الذي قد ألقيت فوقه الحجارة المرضوفة بالنار حتى ينشوي انشواء شديدا فيتهرى تحتها . شمر : الحنيذ من الشواء الحار الذي يقطر ماؤه وقد شوي . وقيل : الحنيذ من اللحم الذي يؤخذ فيقطع أعضاء وينصب له صفيح الحجارة فيقابل ، يكون ارتفاعه ذراعا وعرضه أكثر من ذراعين في مثلهما ، ويجعل له بابان ثم يوقد في الصفائح بالحطب واشتد حرها وذهب كل دخان فيها ولهب أدخل فيه اللحم ، وأغلق البابان بصفحتين قد كانتا قدرتا للبابين ثم ضربتا بالطين وبفرث الشاة وأدفئتا إدفاء شديدا بالتراب في النار ساعة ، ثم يخرج كأنه البسر قد تبرأ اللحم من العظم من شدة نضجه ; وقيل : الحنيذ أن يشوي اللحم على الحجارة المحماة ، وهو محنذ ; وقيل : الحنيذ أن يأخذ الشاة فيقطعها ثم يجعلها في كرشها ويلقي مع كل قطعة من اللحم في الكرش رضفة ، وربما جعل في الكرش قدحا من لبن حامض أو ماء ليكون أسلم للكرش أن ينقد ، ثم يخللها بخلال وقد حفر لها بؤرة وأحماها فيلقي الكرش في البؤرة ويغطيها ساعة ، ثم يخرجها وقد أخذت من النضج حاجتها ; وقيل : الحنيذ المشوي عامة ، وقيل : الحنيذ الشواء الذي لم يبالغ في نضجه ، والفعل كالفعل ، ويقال : هو الشواء المغموم الذي يحنذ أي : يغير ، وهي أقلها . التهذيب : الحنذ اشتواء اللحم بالحجارة المسخنة ، تقول : حنذته حنذا وحنذه يحنذه حنذا . وأحنذ اللحم أي : أنضجه . وحنذت الشاة أحنذها حنذا أي : شويتها وجعلت فوقها حجارة محماة لتنضجها ، وهي حنيذ ; والشمس تحنذ أي : تحرق . والحنذ : شدة الحر وإحراقه ; قال العجاج يصف حمارا وأتانا :


                                                          حتى إذا ما الصيف كان أمجا     ورهبا من حنذه أن يهرجا



                                                          ويقال : حنذته الشمس أي : أحرقته . وحناذ محنذ على المبالغة أي : حر محرق ; قال بخدج يهجو أبا نخيلة :


                                                          لاقى النخيلات حناذا محنذا     مني ، وشلا للأعادي مشقذا



                                                          أي : حرا ينضجه ويحرقه . وحنذ الفرس يحنذه حنذا وحناذا ، فهو محنوذ وحنيذ : أجراه أو ألقى عليه الجلال ليعرق . والخيل تحنذ إذا ألقيت عليها الجلال بعضها على بعض لتعرق . الفراء : ويقال : إذا سقيت فاحنذ يعني : أخفس ، يقول : أقل الماء وأكثر النبيذ ، وقيل : إذا سقيت فاحنذ أي : عرق شرابك أي : صب فيه قليل ماء . وفي التهذيب : أحنذ ، بقطع الألف ، قال : وأعرق في معنى : أخفس ; وذكر المنذري : أن أبا الهيثم أنكر ما قاله الفراء في الإحناذ أنه بمعنى : أخفس وأعرق وعرف الإخفاس والإعراق . ابن الأعرابي : شراب محنذ ومخفس وممذى وممهى إذا أكثر مزاجه بالماء ، قال : وهذا ضد ما قاله الفراء . وقال أبو الهيثم : أصل الحناذ من حناذ الخيل إذا ضمرت ، قال : وحناذها أن يظاهر عليها جل فوق جل حتى تجلل بأجلال خمسة أو ستة لتعرق الفرس تحت تلك الجلال ويخرج العرق شحمها ، كي لا يتنفس تنفسا شديدا إذا جرى . وفي بعض الحديث : ( أنه أتى بضب محنوذ ) أي : مشوي ; أبو الهيثم : أصله من حناذ الخيل ، وهو ما [ ص: 246 ] ذكرناه . وفي حديث الحسن : ( عجلت قبل حنيذها بشوائها ) أي : عجلت القرى ولم تنتظر المشوي . وحنذ الكرم : فرغ من بعضه ، وحنذ له يحنذ : أقل الماء وأكثر الشراب كأخفس . وحنذت الفرس أحنذه حنذا ، وهو أن يحضره شوطا أو شوطين ثم يظاهر عليه الجلال في الشمس ليعرق تحتها ، فهو محنوذ وحنيذ ، وإن لم يعرق قيل : كبا . وحنذ : موضع قريب من مكة ، بفتح الحاء والنون والذال المعجمة ; قال الأزهري : وقد رأيت بوادي الستارين من ديار بني سعد عين ماء عليه نخل زين عامر وقصور من قصور مياه الأعراب يقال لذلك الماء : حنيذ ، وكان نشيله حارا فإذا حقن في السقاء وعلق في الهواء حتى تضربه الريح عذب وطاب . وفي أعراض مدينة سيدنا رسول الله ، صلى الله عليه وسلم ، قرية قريبة من المدينة النبوية فيها نخل كثير يقال لها حنذ ; وأنشد ابن السكيت لبعض الرجاز يصف النخل وأنه بحذاء حنذ ويتأبر منه دون أن يؤبر ، فقال :


                                                          تأبري يا خيرة الفسيل     تأبري من حنذ فشولي
                                                          إذ ضن أهل النخل بالفحول



                                                          ومعنى تأبري أي تلقحي ، وإن لم تؤبري برائحة حرق فحاحيل حنذ ، وذلك أن النخل إذا كان بحذاء حائط فيه فحال مما يلي الجنوب فإنها تؤبر بروائحها وإن لم تؤبر ; وقوله فشولي شبهها بالناقة التي تلقح فتشول ذنبها أي ترفعه ; قال ابن بري : الرجز لأحيحة بن الجلاح ، قال : والمعنى تأبري من روائح هذا النخل إذ ضن أهل النخل بالفحول التي يؤبر بها ، ومعنى شولي ارفعي من قولهم شالت الناقة بذنبها إذا رفعته للقاح . وحناذ : اسم .

                                                          التالي السابق


                                                          الخدمات العلمية