الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                          صفحة جزء
                                                                                                                                                                                          [ ص: 22 ] كتاب ] التوحيد 1 - مسألة : قال أبو محمد رضي الله عنه : أول ما يلزم كل أحد ولا يصح الإسلام إلا به أن يعلم المرء بقلبه علم يقين وإخلاص لا يكون لشيء من الشك فيه أثر وينطق بلسانه ولا بد بأن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله . برهان ذلك : ما حدثناه عبد الله بن يوسف نا أحمد بن فتح نا عبد الوهاب بن عيسى نا أحمد بن محمد نا أحمد بن علي نا مسلم بن الحجاج نا أمية بن بسطام نا يزيد بن زريع نا روح عن العلاء بن عبد الرحمن بن يعقوب عن أبيه عن أبي هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : { أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله ويؤمنوا بي وبما جئت به ، فإذا فعلوا ذلك عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحقها وحسابهم على الله } .

                                                                                                                                                                                          وقد روى معنى هذا مسندا معاذ وابن عباس وغيرهم .

                                                                                                                                                                                          قال الله تعالى : { ومن يبتغ غير الإسلام دينا فلن يقبل منه وهو في الآخرة من الخاسرين } وهو قول جميع الصحابة وجميع أهل الإسلام . وأما وجوب عقد ذلك بالقلب فلقول الله تعالى : { وما أمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين } . والإخلاص فعل النفس . وأما وجوب النطق باللسان ، فإن الشهادة بذلك المخرجة للدم والمال من التحليل إلى التحريم كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم - لا تكون إلا باللسان ضرورة .

                                                                                                                                                                                          2 - مسألة : قال أبو محمد : وتفسير هذه الجملة : هو أن الله تعالى إله كل شيء دونه ، وخالق كل شيء دونه . برهان ذلك : أن العالم بكل ما فيه ذو زمان لم ينفك عنه قط ، ولا يتوهم ولا يمكن أن يخلو العالم عن زمان . ومعنى الزمان هو مدة [ ص: 23 ] بقاء الجسم متحركا أو ساكنا ومدة وجود العرض في الجسم ، وإذ الزمان مدة كما ذكرنا فهو عدد معدود ، ويزيد بمروره ودوامه ، والزيادة لا تكون ألبتة إلا في ذي مبدأ ونهاية من أوله إلى ما زاد فيه . والعدد أيضا ذو مبدأ ولا بد ، والزمان مركب بلا شك من أجزائه ، وكل جزء من أجزاء الزمان فهو بيقين ذو نهاية من أوله ومنتهاه والكل ليس هو شيئا غير أجزائه ، وأجزاؤه كلها ذات مبدأ ، فهو كله ذو مبدأ ضرورة ، فلما كان الزمان لا بد له من مبدأ ضرورة ، وكان العالم كله لا ينفك عن زمان والزمان ذو مبدأ ، فما لم يتقدم ذا المبدأ فهو ذو مبدأ ولا بد ، فالعالم كله جوهره وعرضه ذو مبدأ وإذ هو ذو مبدأ فهو محدث ، والمحدث يقتضي محدثا ضرورة إذ لا يتوهم أصلا ولا يمكن محدث إلا وله محدث ، فالعالم كله مخلوق وله خالق لم يزل ، وهو ملك كل ما خلق ، فهو إله كل ما خلق ومخترعه لا إله إلا هو .

                                                                                                                                                                                          التالي السابق


                                                                                                                                                                                          الخدمات العلمية