الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
سورة مريم

291 - قوله : ولم يكن جبارا عصيا ، وبعده : ولم يجعلني جبارا شقيا ؛ لأن الأول في حق يحيى ، وجاء في الخبر عن النبي - صلى الله عليه وسلم - : ما من أحد من بني آدم إلا أذنب ، أو هم بذنب ، إلا يحيى بن زكريا - عليهما السلام – ، فنفى عنه العصيان . والثاني [ ص: 172 ] في عيسى - عليه السلام - فنفى عنه الشقاوة ، وأثبت له السعادة ، والأنبياء عندنا معصومون عن الكبائر ، غير معصومين عن الصغائر .

292 - قوله : وسلام عليه يوم ولد ، في قصة يحيى : والسلام علي في قصة عيسى . فنكر في الأول ، وعرف في الثاني ؛ لأن الأول من الله تعالى ، والقليل منه كثير ، كما قال الشاعر :


قليل منك يكفيني ولكن قليلك لا يقال له قليل



ولهذا قرأ الحسن : اهدنا صراطا مستقيما ، أي : نحن راضون منك بالقليل ، ومثل هذا في الشعر كثير ، قال :


وإني لراض منك يا هند بالذي     لو ابصره الواشي لقرت بلابله
بلا وبأن لا أستطيع وبالمنى     وبالوعد حتى يسأم الوعد آمله



والثاني : من عيسى - عليه السلام - ، والألف واللام لاستغراق الجنس ، ولو أدخل عليه التسعة والعشرين ، والفروع المستحسنة والمستقبحة ؛ لم تبلغ عشر معشار سلام الله عليه .

ويجوز أن يكون ذلك وحيا من الله - عز وجل - ، فيقرب من سلام يحيى .

وقيل : إنما دخل الألف واللام لأن النكرة إذا تكررت تعرفت .

وقيل : نكرة الجنس ومعرفته سواء ، تقول : لا أشرب ماء ، ولا أشرب الماء ، فهما سواء .

[ ص: 173 ] 293 - قوله : فاختلف الأحزاب من بينهم فويل للذين كفروا ، وفي حم ( الزخرف ) : فويل للذين ظلموا ؛ لأن الكفر أبلغ من الظلم ، وقصة عيسى في هذه السورة مشروحة ، وفيها ذكر نسبتهم إياه إلى الله تعالى حين قال : ما كان لله أن يتخذ من ولد . فذكر بلفظ الكفر . وقصته في الزخرف مجملة ، فوصفهم بلفظ دونه ، وهو : الظلم .

294 - قوله : وعمل صالحا ، وفي الفرقان : وعمل عملا صالحا ؛ لأن هذه السورة أوجز في ذكر المعاصي ، فأوجز في التوبة ، وأطال هناك فأطال .

التالي السابق


الخدمات العلمية