الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                          صفحة جزء
                                                          [ حيص ]

                                                          حيص : الحيص : الحيد عن الشيء . وحاص عنه يحيص حيصا : رجع . ويقال : ما عنه محيص أي : محيد ومهرب ، وكذلك المحاص ، والانحياص مثله . يقال للأولياء : حاصوا عن العدو ، وللأعداء : انهزموا . وحاص الفرس يحيص حيصا وحيوصا وحيصانا وحيصوصة ومحاصا ومحيصا وحايصه وتحايص عنه ، كله : عدل وحاد . وحاص عن الشر : حاد عنه فسلم منه ، وهو يحايصني . وفي حديث مطرف : أنه خرج من الطاعون فقيل له في ذلك فقال : هو الموت نحايصه ولا بد منه ، قال أبو عبيد : معناه نروغ عنه ؛ ومنه المحايصة ، مفاعلة ، من الحيص العدول والهرب من الشيء ، وليس بين العبد والموت مفاعلة ، وإنما المعنى أن الرجل في فرط حرصه على الفرار من الموت كأنه يباريه ويغالبه فأخرجه على المفاعلة لكونها موضوعة لإفادة المباراة والمغالبة بالفعل ، كقوله تعالى : يخادعون الله وهو خادعهم فيئول معنى نحايصه إلى قولك نحرص على الفرار منه . وقوله عز وجل : ما لهم من محيص . وفي حديث يرويه ابن عمر أنه ذكر قتالا وأمرا : فحاص المسلمون حيصة ، ويروى : فجاض جيضة ، معناهما واحد ، أي : جالوا جولة يطلبون الفرار والمحيص والمهرب والمحيد . وفي حديث أنس : لما كان يوم أحد حاص المسلمون حيصة ، قالوا : قتل محمد . والحياصة : سير في الحزام . التهذيب : والحياصة سير طويل يشد به حزام الدابة . وفي كتاب ابن السكيت في القلب والإبدال في باب الصاد والضاد : حاص وحاض وجاض بمعنى واحد ؛ قال : وكذلك ناص وناض . ابن بري في ترجمة حوص قال الوزير : الأحيص الذي إحدى عينيه أصغر من الأخرى . ووقع القوم في حيص بيص وحيص بيص وحيص بيص وحاص باص ، أي : في ضيق وشدة ، والأصل فيه بطن الضب يبعج فيخرج مكنه وما كان فيه ثم يحاص ، وقيل : أي : في اختلاط من أمر لا مخرج لهم منه ؛ وأنشد الأصمعي لأمية بن أبي عائذ الهذلي :


                                                          قد كنت خراجا ولوجا صيرفا لم تلتحصني حيص بيص لحاص



                                                          ونصب حيص بيص على كل حال ، وإذا أفردوه أجروه وربما تركوا إجراءه . قال الجوهري : وحيص بيص اسمان جعلا واحدا وبنيا على الفتح مثل جاري بيت بيت ، وقيل : إنهما اسمان من حيص وبوص جعلا واحدا وأخرج البوص على لفظ الحيص ليزدوجا . والحيص : الرواغ والتخلف والبوص السبق والفرار ، ومعناه كل أمر يتخلف عنه ويفر . وفي حديث أبي موسى : إن هذه الفتنة حيصة من حيصات الفتن أي : روغة منها عدلت إلينا . وحيص بيص : جحر الفأر . وإنك لتحسب علي الأرض حيصا بيصا أي : ضيقة . والحائص من النساء : الضيقة ، ومن الإبل : التي لا يجوز فيها قضيب الفحل كأن بها رتقا . وحكى أبو عمرو : إنك لتحسب علي الأرض حيصا بيصا ، ويقال : حيص بيص ؛ قال الشاعر :


                                                          صارت عليه الأرض حيص بيص     حتى يلف عيصه بعيصي



                                                          وفي حديث سعيد بن جبير ، وسئل عن المكاتب يشترط عليه أهله أن لا يخرج من بلده فقال : أثقلتم ظهره وجعلتم الأرض عليه حيص بيص أي : ضيقتم الأرض عليه حتى لا مضرب له فيها ولا منصرف للكسب ، قال : وفيها لغات عدة لا تنفرد إحدى اللفظتين عن الأخرى ، وحيص من حاص إذا حاد ، وبيص من باص إذا تقدم ، وأصلها الواو وإنما قلبت ياء للمزاوجة بحيص ، وهما مبنيتان بناء خمسة عشر ؛ وروى الليث بيت الأصمعي :


                                                          لقد نال حيصا من عفيرة حائصا



                                                          قال : يروى بالحاء والخاء . قال أبو منصور : والرواة رووه بالخاء ، قال : وهو الصحيح ؛ وسيأتي ذكره إن شاء الله تعالى .

                                                          التالي السابق


                                                          الخدمات العلمية