الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 354 ] سورة الجاثية

                                                                                                                                                                                                                                      وتسمى سورة الشريعة

                                                                                                                                                                                                                                      روى العوفي وابن أبي طلحة عن ابن عباس أنها مكية، وهو قول الحسن، [وعكرمة]، ومجاهد، وقتادة، والجمهور . وقال مقاتل: هي مكية كلها . وحكي عن ابن عباس وقتادة أنهما قالا: هي مكية إلا آية، وهي قوله: قل للذين آمنوا يغفروا [الجاثية: 14] .

                                                                                                                                                                                                                                      بسم الله الرحمن الرحيم

                                                                                                                                                                                                                                      حم . تنزيل الكتاب من الله العزيز الحكيم . إن في السماوات والأرض لآيات للمؤمنين . وفي خلقكم وما يبث من دابة آيات لقوم يوقنون . واختلاف الليل والنهار وما أنزل الله من السماء من رزق فأحيا به الأرض بعد موتها وتصريف الرياح آيات لقوم يعقلون . تلك آيات الله نتلوها عليك بالحق فبأي حديث بعد الله وآياته يؤمنون . ويل لكل أفاك أثيم . يسمع آيات الله تتلى عليه ثم يصر مستكبرا كأن لم يسمعها [ ص: 355 ] فبشره بعذاب أليم . وإذا علم من آياتنا شيئا اتخذها هزوا أولئك لهم عذاب مهين . من ورائهم جهنم ولا يغني عنهم ما كسبوا شيئا ولا ما اتخذوا من دون الله أولياء ولهم عذاب عظيم . هذا هدى والذين كفروا بآيات ربهم لهم عذاب من رجز أليم . الله الذي سخر لكم البحر لتجري الفلك فيه بأمره ولتبتغوا من فضله ولعلكم تشكرون . وسخر لكم ما في السماوات وما في الأرض جميعا منه إن في ذلك لآيات لقوم يتفكرون .

                                                                                                                                                                                                                                      قوله تعالى: حم . تنزيل الكتاب قد شرحناه في أول [المؤمن] .

                                                                                                                                                                                                                                      قوله تعالى: وفي خلقكم أي: من تراب ثم من نطفة إلى أن يتكامل خلق الإنسان وما يبث من دابة أي: وما يفرق في الأرض من جميع ما خلق على اختلاف ذلك في الخلق والصور آيات تدل على وحدانيته . قرأ ابن كثير، ونافع، وعاصم، وأبو عمرو ، وابن عامر: "آيات" رفعا "وتصريف الرياح آيات" رفعا أيضا . وقرأ حمزة، والكسائي: بالكسر فيهما . والرزق هاهنا بمعنى المطر .

                                                                                                                                                                                                                                      قوله تعالى: تلك آيات الله أي: هذه حجج الله نتلوها عليك بالحق فبأي حديث بعد الله أي: بعد حديثه وآياته يؤمن هؤلاء المشركون؟!

                                                                                                                                                                                                                                      قوله تعالى: ويل لكل أفاك أثيم روى أبو صالح عن ابن عباس أنها نزلت في النضر بن الحارث . وقد بينا معناها في [الشعراء: 222]، والآية التي تليها مفسرة في [لقمان: 7] .

                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 356 ] قوله تعالى: وإذا علم من آياتنا شيئا قال مقاتل: معناه: إذا سمع . وقرأ ابن مسعود: "وإذا علم" برفع العين وكسر اللام وتشديدها .

                                                                                                                                                                                                                                      قوله تعالى: اتخذها هزوا أي: سخر منها، وذلك كفعل أبي جهل حين نزلت: إن شجرت الزقوم طعام الأثيم [الدخان: 43، 44] فدعا بتمر وزبد، وقال: تزقموا فما يعدكم محمد إلا هذا . وإنما قال: " أولئك " لأنه رد الكلام إلى معنى "كل" .

                                                                                                                                                                                                                                      من ورائهم جهنم قد فسرناه في [إبراهيم: 16] ولا يغني عنهم ما كسبوا شيئا من الأموال، ولا ما عبدوا من الآلهة .

                                                                                                                                                                                                                                      قوله تعالى: هذا هدى يعني القرآن والذين كفروا به، لهم عذاب من رجز أليم قرأ ابن كثير، وحفص عن عاصم: "أليم" بالرفع على نعت العذاب . وقرأ الباقون: بالكسر على نعت الرجز . والرجز بمعنى العذاب، وقد شرحناه في [الأعراف: 134] .

                                                                                                                                                                                                                                      قوله تعالى: جميعا منه أي: ذلك التسخير منه لا من غيره، فهو من فضله . وقرأ عبد الله بن عمرو، وابن عباس، وأبو مجلز، وابن السميفع، وابن محيصن، والجحدري : "جميعا منة" بفتح النون وتشديدها وتاء منصوبة منونة . وقرأ سعيد بن جبير: "منه" بفتح الميم ورفع النون والهاء مشددة النون .

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية