الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 368 ] سورة الأحقاف

                                                                                                                                                                                                                                      بسم الله الرحمن الرحيم

                                                                                                                                                                                                                                      حم . تنزيل الكتاب من الله العزيز الحكيم . ما خلقنا السماوات والأرض وما بينهما إلا بالحق وأجل مسمى والذين كفروا عما أنذروا معرضون . قل أرأيتم ما تدعون من دون الله أروني ماذا خلقوا من الأرض أم لهم شرك في السماوات ائتوني بكتاب من قبل هذا أو أثارة من علم إن كنتم صادقين .

                                                                                                                                                                                                                                      فصل في نزولها

                                                                                                                                                                                                                                      روى العوفي وابن أبي طلحة عن ابن عباس أنها مكية، وبه قال الحسن، ومجاهد، وعكرمة، وقتادة، والجمهور . وروي عن ابن عباس وقتادة أنهما قالا: فيها آية مدنية، وهي قوله: قل أرأيتم إن كان من عند الله [الأحقاف: 10] . وقال مقاتل: نزلت بمكة غير آيتين: قوله: قل أرأيتم إن كان من عند الله [الأحقاف: 10] وقوله: فاصبر كما صبر أولو العزم من الرسل [الأحقاف: 35] نزلتا بالمدينة . وقد تقدم تفسير فاتحتها [المؤمن، الحجر: 85] [ ص: 369 ] إلى قوله: وأجل مسمى وهو أجل فناء السموات والأرض، وهو يوم القيامة .

                                                                                                                                                                                                                                      قوله تعالى: قل أرأيتم مفسر في [فاطر: 40] إلى قوله: ائتوني بكتاب ، وفي الآية اختصار، تقديره: فإن ادعوا أن شيئا من المخلوقات صنعة آلهتهم، فقل لهم: ائتوني بكتاب من قبل هذا أي: من قبل القرآن فيه برهان ما تدعون من أن الأصنام شركاء الله، أو أثارة من علم وفيه ثلاثة أقوال .

                                                                                                                                                                                                                                      أحدها: أنه الشيء يثيره مستخرجه، قاله الحسن .

                                                                                                                                                                                                                                      والثاني: بقية من علم تؤثر عن الأولين، قاله ابن قتيبة ، وإلى نحوه ذهب الفراء، وأبو عبيدة .

                                                                                                                                                                                                                                      والثالث: علامة من علم، قاله الزجاج .

                                                                                                                                                                                                                                      وقرأ ابن مسعود، وأبو رزين ، وأيوب السختياني، ويعقوب: "أثرة" بفتح الثاء، مثل شجرة . ثم ذكروا في معناها ثلاثة أقوال .

                                                                                                                                                                                                                                      أحدها: أنه الخط، قاله ابن عباس; وقال: هو خط كانت العرب تخطه في الأرض، قال أبو بكر بن عياش: الخط هو العيافة .

                                                                                                                                                                                                                                      والثاني: أو علم تأثرونه عن غيركم، قاله مجاهد .

                                                                                                                                                                                                                                      والثالث: خاصة من علم، قاله قتادة .

                                                                                                                                                                                                                                      وقرأ أبي بن كعب ، وأبو عبد الرحمن السلمي، والحسن، وقتادة، والضحاك ، وابن يعمر: "أثرة" بسكون الثاء من غير ألف بوزن نظرة .

                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 370 ] وقال الفراء: قرئت "أثارة" و "أثرة"، وهي لغات، ومعنى الكل: بقية من علم، ويقال: أو شيء مأثور من كتب الأولين، فمن قرأ "أثارة" فهو المصدر، مثل قولك: السماحة والشجاعة، ومن قرأ "أثرة" فإنه بناه على الأثر، كما قيل: قترة، ومن قرأ "أثرة" فكأنه أراد مثل قوله: "الخطفة" [الصافات: 10] و "الرجفة" [الأعراف: 78] .

                                                                                                                                                                                                                                      وقال اليزيدي: الأثارة: البقية; والأثرة، مصدر أثره يأثره، أي: يذكره ويرويه، ومنه: حديث مأثور .

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية