الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                        صفحة جزء
                                                                                        ( باب الظهار ) .

                                                                                        هو في اللغة مصدر ظاهر امرأته إذا قال لها أنت علي كظهر أمي كذا في الصحاح والمغرب ، وفي المصباح قيل إنما خص ذلك بذكر الظهر ; لأن الظهر من الدابة موضع الركوب والمرأة مركوبة وقت الغشيان فركوب الأم مستعار من ركوب الدابة ثم شبه ركوب الزوجة بركوب الأم الذي هو ممتنع وهو استعارة لطيفة فكأنه قال : ركوبك للنكاح حرام علي وكان الظهار طلاقا في الجاهلية فنهوا عن الطلاق بلفظ الجاهلية وأوجب عليهم الكفارة تغليظا في النهي ا هـ .

                                                                                        والمذكور في كتب الشافعية أنه كان طلاقا في الجاهلية يوجب حرمة مؤبدة لا رجعة فيه ، وفي الشريعة ما ذكره بقوله ( هو تشبيه المنكوحة بمحرمة عليه على التأبيد ) أراد بالمنكوحة ما يصح إضافة الطلاق إليه من الزوجة وهو أن يشبهها أو عضوا منها يعبر به عنها أو جزءا شائعا منها لما سيأتي وأراد بالمشبه به عضوا يحرم إليه النظر من عضو محرمة عليه على التأبيد لما سنذكره أيضا ، وأراد بالزوج المسلم ; لأنه لا ظهار للذمي عندنا وأطلقه فشمل السكران والمكره والأخرس بإشارته كما في التتارخانية وقيد بالمنكوحة احترازا عن الأمة والأجنبية على ما سيصرح به ولم يقيدها بشيء ليشمل المدخولة وغيرها الكبيرة والصغيرة الرتقاء وغيرها العاقلة والمجنونة المسلمة والكتابية وقيد بالتأبيد ; لأنه لو شبهها بأخت امرأته لا يكون مظاهرا ; لأن حرمتها مؤقتة بكون امرأته في عصمته .

                                                                                        وكذا المطلقة ثلاثا وأطلق الحرمة فشمل الحرمة نسبا وصهرية ورضاعا وأراد بالتأبيد تأبيد الحرمة باعتبار وصف لا يمكن زواله باعتبار وصف يمكن زواله فإن المجوسية محرمة على التأبيد ، ولو قال كظهر مجوسية لا يكون ظهارا ذكره في جوامع الفقه ; لأن التأبيد باعتبار دوام الوصف وهو غير لازم لجواز إسلامها بخلاف الأمية والأختية وغيرهما كذا في فتح القدير والتحقيق أن حرمة المجوسية ليست بمؤبدة بل هي مؤقتة بإسلامها أو بصيرورتها كتابية فلا حاجة إلى ما ذكره كما لا يخفى ، ولذا علل في المحيط بأنها ليست بمحرمة على التأبيد وضم إلى المجوسية المرتدة وشمل كلامه التشبيه الصريح والضمني فدخل ما لو ظاهر من امرأته ثم قال للأخرى : أنت علي مثل هذه ينوي الظهار فإنه يكون مظاهرا ولو بعد موتها وبعد التكفير باعتبار تضمن قوله لها أنت علي كظهر أمي فالتشبيه فيها باعتبار خصوص وجه الشبه المراد لا باعتبار نفس التشبيه بها .

                                                                                        وكذا لو كانت امرأة رجل آخر ظاهر زوجها منها فقال : أنت علي مثل فلانة ينوي ذلك صح ولو كان بعد موتها ، وكذا لو ظاهر من امرأته ثم قال لأخرى : أشركتك في ظهارها فالحاصل أن حقيقة الظهار الشرعي تشبيه الزوجة أو جزء شائع منها أو ما يعبر به عن الكل بما لا يحل النظر إليه من المحرمة على التأبيد كذا قالوا ، ولو قالوا من محرم دون محرمة صفة لشخص المتناول للذكر والأنثى [ ص: 103 ] لكان أولى ; لأنه لو قال : أنت علي كفرج أبي أو قريبي كان مظاهرا ; إذ فرجهما في الحرمة كفرج أمه كذا في المحيط وينبغي عدم التقييد بالأب والقريب ; لأن فرج الرجل الأجنبي محرم على التأبيد أيضا وأشار بقوله بمحرمة إلى أن المشبه الرجل ; لأنه لو كان امرأة بأن قالت : أنت علي كظهر أمي أو أنا عليك كظهر أمك فالصحيح كما في المحيط أنه ليس بشيء فلا حرمة ولا كفارة ومنهم من أوجب عليها الكفارة ثم اختلفوا هل هي كفارة يمين أو ظهار ورجح ابن الشحنة أنها كفارة يمين وذكر ابن وهبان تفريعا على القول بوجوب الكفارة أنها تجب بالحنث إن كانت كفارة يمين وإن كانت كفارة ظهار فإن كان تعليقا يجب متى تزوجت به وإن كانت في نكاحه تجب للحال ما لم يطلقها ; لأنه لا يحل لها العزم على منعه من الجماع . ا هـ . .

                                                                                        التالي السابق


                                                                                        باب الظهار .

                                                                                        ( قوله المسلمة والكتابية ) الأولى المسلمة والكافرة لما سيأتي عن المحيط أسلم زوج المجوسية فظاهر منها قبل عرض الإسلام عليها صح لكونه من أهل الكفارة ( قوله والتحقيق أن حرمة المجوسية إلخ ) قال في النهر وعندي أن التحقيق ما في فتح القدير ألا ترى قولهم إن اللعان يوجب حرمة مؤبدة ، ولو شبهها بامرأته الملاعنة لا يصير مظاهرا كما في الجوامع أيضا ; لأن هذا الوصف يمكن زواله بأن يكذب نفسه كما سيأتي .

                                                                                        ( قوله : ولو قالوا من محرم إلخ ) قال في النهر قال في البدائع من شرائط الظهار التي ترجع على المظاهر به أن يكون من جنس النساء حتى لو قال لها : أنت علي كظهر أبي أو ابني لا يصح الظهار ; لأنه إنما عرف بالشرع والشرع إنما هو ورد بها فيما إذا كان المظاهر به امرأة ا هـ .

                                                                                        وبه عرف جواب ما في المحيط لو شبهها بفرج أبيه وقريبه ينبغي أن يكون مظاهرا ; إذ فرجهما في الحرمة كفرج أمه واندفع ما في البحر حيث نقل ما في المحيط وجزم به ولم ينقله بحثا وأنت قد علمت ما هو الواقع نعم يرد على المصنف ما في الخانية أنت علي كالدم والخنزير فالصحيح أنه إذا نوى طلاقا أو ظهارا فكما نوى وإن لم ينو شيئا كان إيلاء ا هـ .

                                                                                        قلت : [ ص: 103 ] لا يخفى أنه سلم ما صححه في الخانية أشكل ما في البدائع وكان مقويا لما في المحيط وإلا يسلم لم يتوجه الإيراد على المصنف لكن الذي رأيته في نسخة الخانية التي عندي مخالف لما نقله في النهر نصه ، ولو قال لامرأته أنت علي كالميتة والدم ولحم الخنزير اختلفت الروايات فيه والصحيح أنه إن لم ينو شيئا لا يكون إيلاء وإن نوى الطلاق يكون طلاقا وإن نوى الظهار لا يكون ظهارا ا هـ . بحروفه .

                                                                                        وهكذا قال في الشرنبلالية قال في الخانية وإن نوى ظهارا لا يكون ظهارا وكذلك في التتارخانية نقل عبارة الخانية كما نقلناه فعلم أن النسخة التي نقل عنها في النهر سقط منها لفظة لا فأورد ما أورد لكن رأيت في الخانية أيضا ما نصه ولو شبهها بظهر امرأة لا تحل له في الجملة كالمجوسية والمرتدة ومنكوحة الغير لا يكون ظهارا ، وكذا التشبيه بالرجل أي رجل كان ا هـ .

                                                                                        وكذلك صرح في التتارخانية عن التهذيب بأنه لو شبهها بالرجل لم يكن مظاهرا وبه تأيد ما في البدائع وبما علمت من النقل السابق اندفع الإشكال والله تعالى الموفق .




                                                                                        الخدمات العلمية