الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
[ ص: 538 ] 395

ثم دخلت سنة خمس وتسعين وثلاثمائة

ذكر عود مهذب الدولة إلى البطيحة

قد ذكرنا انهزام عميد الجيوش من أبي العباس بن واصل ، فلما انهزم أقام بواسط ، وجمع العساكر عازما على العود إلى البطائح ، وكان أبو العباس قد ترك بها نائبا له ، فلم يتمكن من المقام بها ، ففارقها إلى صاحبه ، فأرسل عميد الجيوش إليها نائبا من أهل البطائح ، فعسف الناس ، وأخذ الأموال ، ولم يلتفت إلى عميد الجيوش ، فأرسل إلى بغداذ وأحضر مهذب الدولة ، وسير معه العساكر في السفن إلى البطيحة ، فلما وصلها لقيه أهل البلاد ، وسروا بقدومه ، وسلموا إليه جميع الولايات ، واستقر عليه بهاء الدولة كل سنة خمسين ألف دينار ، ولم يعترض عليه ابن واصل ، فاشتغل عنه ( بالتجهيز إلى ) خوزستان ، وحفر نهرا إلى جانب النهر العضدي ، بين البصرة والأهواز ، وكثر ماؤه ، وكان قد اجتمع عنده جمع كثير من الديلم وأنواع الأجناد .

ولما كثر ماله وذخائره ، و [ ما ] استولى عليه من البطيحة ، قوي طمعه في الملك ، وسار هو وعسكره إلى الأهواز في ذي القعدة ، فجهز إليها بهاء الدولة جيشا في الماء ، فالتقوا بنهر السدرة ، فاقتتلوا ، وخاتلهم أبو العباس ، وسار إلى الأهواز وتبعه من كان قد لقيه من العسكر ، فالتقوا بظاهر الأهواز ، وانضاف إلى عسكر بهاء الدولة العساكر التي بالأهواز ، فاستظهر أبو العباس عليهم .

[ ص: 539 ] ورحل بهاء الدولة إلى قنطرة أربق ، عازما على المسير إلى فارس ، ودخل أبو العباس إلى دار المملكة وأخذ ما فيها من الأمتعة والأثاث المتخلف عن بهاء الدولة ، إلا أنه لم يمكنه المقام لأن بهاء الدولة كان قد جهز عسكرا ليسير في البحر إلى البصرة ، فخاف أبو العباس من ذلك ، وراسل بهاء الدولة ، وصالحه وزاد في أقطاعه ، وحلف كل واحد منهما لصاحبه ، وعاد إلى البصرة ، وحمل معه كل ما أخذه من دار بهاء الدولة ودور الأكابر والقواد والتجار .

ذكر غزوة بهاطية

في هذه السنة غزا يمين الدولة بهاطية من أعمال الهند ، وهي وراء المولتان ، وصاحبها يعرف ببحيرا ، وهي مدينة حصينة ، عالية السور ، يحيط بها خندق عظيم ، فامتنع صاحبها بها ، ثم إنه خرج إلى ظاهرها ، فقاتل المسلمين ثلاثة أيام ثم انهزم في الرابع ، وطلب المدينة ليدخلها ، فسبقهم المسلمون إلى باب البلد فملكوه عليهم ، وأخذتهم السيوف من بين أيديهم ومن خلفهم ، فقتل المقاتلة وسبيت الذرية وأخذت الأموال .

أما بحيرا فإنه لما عاين الهلاك أخذ جماعة من ثقاته وسار إلى رءوس تلك الجبال ، فسير إليه يمين الدولة سرية ، فلم يشعر بهم بحيرا إلا وقد أحاطوا به ، وحكموا السيوف في أصحابه ، فلما أيقن بالعطب أخذ خنجرا معه فقتل به نفسه ، وأقام يمين الدولة ببهاطية حتى أصلح أمرها ، ورتب قواعدها ، وعاد عنها إلى غزنة ، واستخلف بها من يعلم من أسلم من أهلها وما يجب عليهم تعلمه ، ولقي في عوده شدة شديدة من الأمطار وكثرتها ، وزيادة الأنهار ، فغرق منه من عسكره عظيم .

[ ص: 540 ] ذكر عدة حوادث

في هذه السنة كان بإفريقية غلاء شديد بحيث تعطلت المخابز والحمامات ، وهلك الناس ، وذهبت الأموال من الأغنياء ، وكثر الوباء ، فكان يموت كل يوم ما بين خمسمائة إلى سبعمائة .

وفيها وصل قرواش وأبو جعفر الحجاج إلى الكوفة ، فقبضا على أبي علي عمر بن محمد بن عمر العلوي ، وأخذ منه قرواش مائة ألف دينار ، وحمله معه إلى الأنبار .

[ الوفيات ]

وفيها توفي إسحاق بن محمد بن حمدان بن محمد بن نوح أبو إبراهيم المهلبي .

( وفيها توفي محمد بن علي بن الحسين بن الحسن بن أبي إسماعيل العلوي الهمذاني ، الفقيه الشافعي ، رحمه الله تعالى ) .

التالي السابق


الخدمات العلمية