الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
[ ص: 557 ] 398

ثم دخلت سنة ثمان وتسعين وثلاثمائة

ذكر غزوة بهيم نغر

لما فرغ يمين الدولة من الغزوة المتقدمة وعاد إلى غزنة ، واستراح هو وعسكره ، استعد لغزوة أخرى ، فسار في ربيع الآخر من هذه السنة ، فانتهى إلى شاطئ نهر هندمند ، فلاقاه هناك إبرهمن بال بن إندبال في جيوش الهند ، فاقتتلوا مليا من النهار ، وكادت الهند تظفر بالمسلمين ، ثم إن الله تعالى نصر عليهم ، فظفر بهم المسلمون فانهزموا على أعقابهم ، وأخذهم المسلمون بالسيف .

وتبع يمين الدولة أثر إبرهمن بال ، حتى بلغ قلعة بهيم نغر ، وهي على جبل عال كان الهند قد جعلوها خزانة لصنمهم الأعظم ، فينقلون إليها أنواع الذخائر ، قرنا بعد قرن ، وأعلاق الجواهر ، وهم يعتقدون ذلك دينا وعبادة ، فاجتمع فيها على طول الأزمان ما لم يسمع بمثله ، فنازلهم يمين الدولة وحصرهم وقاتلهم .

فلما رأى الهنود كثرة جمعه ، وحرصهم على القتال ، وزحفهم إليهم مرة بعد أخرى ، خافوا وجبنوا ، وطلبوا الأمان ، وفتحوا باب الحصن ، وملك المسلمون القلعة ، وصعد يمين الدولة إليها في خواص أصحابه وثقاته ، فأخذ منها من الجواهر ما لا يحد ، ومن الدراهم تسعين ألف ألف درهم شاهية ، ومن الأواني الذهبيات والفضيات سبعمائة ألف وأربعمائة من ، وكان فيها بيت مملوء من فضة طوله ثلاثون ذراعا وعرضه خمسة عشر ذراعا ، إلى غير ذلك من الأمتعة . وعاد إلى غزنة بهذه [ ص: 558 ] الغنائم ، ففرش تلك الجواهر في صحن داره ، وكان قد اجتمع عنده رسل الملوك ، فأدخلهم إليه ، فرأوا ما لم يسمعوا بمثله .

ذكر حال أبي جعفر بن كاكويه

هو أبو جعفر بن دشمنزيار ، وإنما قيل كاكويه لأنه كان ابن خال والدة مجد الدولة بن فخر الدولة بن بويه ، وكاكويه هو الخال بالفارسية ، وكانت والدة مجد الدولة قد استعملته على أصبهان ، فلما فارقت ولدها فسد حاله ، فقصد الملك بهاء الدولة وأقام عنده مدة ، ثم عادت والدة مجد الدولة إلى ابنها بالري فهرب أبو جعفر وسار إليها ، فأعادته إلى أصبهان ، واستقر فيها قدمه ، وعظم شأنه وسيأتي من أخباره ما يعلم [ به ] صحة ذلك ، إن شاء الله تعالى .

ذكر عدة حوادث

في هذه السنة ، في ( ربيع الأول ) وقع ثلج كثير ببغداذ وواسط والكوفة ، والبطائح إلى عبادان ، وكان ببغداذ نحو ذراع ، وبقي في الطرق نحو عشرين يوما .

وفيها وقعت الفتنة ببغداذ في رجب ، وكان أولها أن بعض الهاشميين من باب البصرة أتى ابن المعلم فقيه الشيعة في مسجده بالكرخ ، فآذاه ، ونال منه ، فثار به أصحاب ابن المعلم ، واستنفر بعضهم بعضا ، وقصدوا أبا حامد الإسفراييني وابن الأكفاني فسبوهما وطلبوا الفقهاء ليوقعوا بهم ، فهربوا ، وانتقل أبو حامد الإسفراييني إلى دار القطن ، وعظمت الفتنة ، ثم إن السلطان أخذ جماعة وسجنهم ، فسكنوا ، وعاد أبو حامد إلى مسجده ، وأخرج ابن المعلم من بغداذ ، فشفع فيه علي بن مزيد فأعيد .

[ ص: 559 ] وفيها ( وقع الغلاء بمصر واشتد ) ، وعظم الأمر ، وعدمت الأقوات ، ثم تعقبه وباء كثير أفنى كثيرا من أهلها .

وفيها زلزلت الدينور زلزلة شديدة خربت المساكن ، وهلك خلق كثير من أهلها ، وكان الذين دفنوا ستة عشر ألفا سوى من بقي تحت الهدم ولم يشاهد . وفيها أمر الحاكم بأمر الله ، صاحب مصر ، بهدم بيعة قمامة ، وهي بالبيت المقدس ، وتسميها العامة القيامة ، وفيها الموضع الذي دفن فيه المسيح ، عليه السلام ، فيما يزعمه النصارى ، وإليها يحجون من أقطار الأرض ، وأمر بهدم البيع في جميع مملكته ، فهدمت ، وأمر اليهود والنصارى إما أن يسلموا ، أو يسيروا إلى بلاد الروم ويلبسوا الغيار ، فأسلم كثير منهم ، ثم أمر بعمارة البيع ومن اختار العود إلى دينه عاد ، فارتد كثير من النصارى .

[ الوفيات ]

وفيها توفي أبو العباس أحمد بن إبراهيم الضبي ، وزير مجد الدولة ، [ ص: 560 ] ببروجرد ، وكان سبب مجيئه إليها أن أم مجد الدولة بن بويه اتهمته أنه سم أخاه فمات ، فلما توفي أخوه طلبت منه مائتي دينار لتنفقها في مأتمه ، فلم يعطها ، فأخرجته ، فقصد بروجرد ، وهي من أعمال بدر بن حسنويه ، فبذل بعد ذلك مائتي ألف دينار ليعود إلى عمله ، فلم يقبل منه ، فأقام بها إلى أن توفي ، وأوصى أن يدفن بمشهد الحسين عليه السلام ، فقيل للشريف أبي أحمد ، والد الشريف الرضي ، أن يبيعه بخمسمائة دينار موضع قبره ، فقال : من يريد جوار جدي لا يباع ؛ وأمر أن يعمل له قبر ، وسير معه من أصحابه خمسين رجلا ، فدفنه بالمشهد .

وتوفي بعده بيسير ابنه أبو القاسم سعد ، وأبو عبد الله الجرجاني الحنفي بعد أن فلج ، وأبو الفرج ( عبد الواحد بن نصر المعروف بالببغاء ) الشاعر ، وديوانه مشهور ، والقاضي أبو عبد الله الضبي بالبصرة ، والبديع أبو الفضل أحمد بن الحسين الهمذاني ، صاحب المقامات المشهورة ، وله شعر حسن ، وقرأ الأدب على أبي الحسين بن فارس مصنف المجمل .

وتوفي أبو بكر أحمد بن علي بن لال الفقيه الشافعي الهمذاني بنواحي عكا بالشام ، وكان انتقل إلى هناك ) .

التالي السابق


الخدمات العلمية