الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
معلومات الكتاب

الآداب الشرعية والمنح المرعية

ابن مفلح - محمد بن مفلح بن محمد المقدسي

صفحة جزء
[ ص: 104 ] فصل ( في صفة المحدث الذي يؤخذ عنه ) .

قال المروذي قال أبو عبد الله : لا ينبغي للرجل إذا لم يعرف الحديث أن يحدث به ، ثم قال : صار الحديث به من لا يعرفه واسترجع وقال مالك : لا يؤخذ العلم من شيخ له فضل وصلاح وعبادة إذا كان لا يعرف ما يحدث .

وقال الأثرم قال لي أبو عبد الله : الحديث شديد سبحان الله ما أشده ، أو كما قال ثم قال : يحتاج إلى ضبط وذهن وكلام يشبه هذا ثم قال : ولا سيما إذا أراد أن يخرج منه إلى غيره قال إذا حدث ، ثم قال : هو ما لم يحدث مستور ، فإذا حدث خرج منه إلى غيره بدا ما كان فيه ، وكلام نحو هذا ، وعن جعفر بن برقان قال : كتب إلينا عمر بن عبد العزيز وقال في كتابه : ومر أهل الفقه من جندك فلينشروا ما علمهم الله في مساجدهم ومجالسهم ، والسلام وقال أحمد لابنه عبد الله : أفد أصحاب الحديث وأكرمهم ، فإن إبراهيم بن بكر بن عياش لم يكن يفيد أصحاب الحديث ويجفوهم فلم يفلح ، ومشهور عن أنس أنه كان إذا سئل عن مسألة : يقول : سلوا مولانا الحسن فإنه حضر وغبنا . وحفظ ونسينا وقال الصاحب أبو القاسم بن عباد : ما عبر الإنسان عن فضل نفسه بمثل ميله إلى الفضل وأهله ، وكان أبو الحسن عمر بن محمد النوقاتي بنون مفتوحة وقاف بعدها ألف ، ثم بتاء باثنتين من فوق نسبة إلى نوقات موضع بسجستان ، ويشتبه بالنوقاني بنون بعد الألف بلدة من مدن طوس ، كان حاضرا فنظم المعنى وقال :

وما عبر الإنسان عن فضل نفسه بمثل اعتقاد الفضل في كل فاضل     وإن أخس النقص أن يتقي الفتى
قذى النقص عنه بانتقاص الأفاضل



وهذا لما سعى بعض الناس إلى أبي القاسم بن عباد ، وقال عن الحافظ أبي عبد الله بن منده أنه جمع كتابا في التشبيه فاستدعاه ، وبحث عنه فأنصف [ ص: 105 ] وإن كان ابن عباد معتزليا ، وقال : كيف ينقم على رجل ما أودع كتابه إلا آية محكمة أو أخبارا صحيحة . ودخل ابن منده على ابن عباد فقام له وأكرمه فلما خرج قيل له : قمت لرجل من معاندينا لا يحسن شيئا ، إنما يعرف جماعة من محمد وأحمد . قال ابن عباد : أليس يعرف جماعة من محمد وأحمد لا أعرفهم ؟ فله بذلك مزية وقد قال الصاحب بن عباد : من لم يكتب الحديث لم يعرف حلاوة الإسلام ، ولما أراد أن يملي ويروي الحديث ، امتنع من حضور الديوان وأظهر التنسك والتورع ، فلما شاع ذلك عنه أحضر الفقهاء واستفتاهم بالكتابة عن مثله ، فأفتوا بجوازها فأفتى مجالس ، ذكر ذلك الحافظ عبد القادر الرهاوي في كتاب تاريخ المادح والممدوح .

ولما حج يحيى بن عمار السجزي ، ونزل بظاهر الري فأرسل إليه الصاحب بن عباد ضيافة ، فأبى أن يقبلها فقال : وددت أني ضربت بكل سوط ضرب به أحمد بن حنبل عشرة أسواط ، واسترحت من عداوة هؤلاء القوم .

وروى الحاكم في تاريخه عن ابن المبارك قال : من بخل بالعلم ابتلي بثلاث : إما أن يموت فيذهب علمه ، وإما أن ينسى حديثه ، وإما أن يبتلى بالسلطان وقال ابن المبارك الحبر خلوق العلماء .

التالي السابق


الخدمات العلمية