الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      وإذا سألك عبادي عني فإني قريب أجيب دعوة الداع إذا دعان فليستجيبوا لي وليؤمنوا بي لعلهم يرشدون [ ص: 189 ] قوله تعالى: وإذا سألك عبادي عني .

                                                                                                                                                                                                                                      في سبب نزولها خمسة أقوال .

                                                                                                                                                                                                                                      أحدها: أن أعرابيا جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم ، فقال: أقريب ربنا فنناجيه ، أم بعيد فنناديه؟ فنزلت هذه الآية ، رواه الصلت بن حكيم عن أبيه عن جده .

                                                                                                                                                                                                                                      والثاني: أن يهود المدينة قالوا: يا محمد! كيف يسمع ربنا دعاءنا ، وأنت تتزعم أن بيننا وبين السماء مسيرة خمسمائة عام؟! فنزلت هذه الآية ، رواه أبو صالح عن ابن عباس .

                                                                                                                                                                                                                                      والثالث: أنهم قالوا: يا رسول الله! لو نعلم أية ساعة أحب إلى الله أن ندعو فيها دعوانا ، فنزلت هذه الآية ، قاله عطاء .

                                                                                                                                                                                                                                      والرابع: أن أصحاب النبي قالوا له: أين الله؟ فنزلت هذه الآية ، قاله الحسن .

                                                                                                                                                                                                                                      والخامس: أنه لما حرم في الصوم الأول على المسلمين بعد النوم الأكل والجماع; أكل رجل منهم بعد أن نام ، ووطئ رجل بعد أن نام ، فسألوا: كيف التوبة مما عملوا؟ فنزلت هذه الآية ، قاله مقاتل . ومعنى الكلام: إذا سألوك عني; فأعلمهم أني قريب .

                                                                                                                                                                                                                                      وفي معنى "أجيب" قولان . أحدهما: أسمع ، قاله الفراء ، وابن القاسم . والثاني: أنه من الإجابة (فليستجيبوا لي) أي: فليجيبوني . قال الشاعر:


                                                                                                                                                                                                                                      وداع دعا يا من يجيب إلى الندى فلم يستجبه عند ذاك مجيب



                                                                                                                                                                                                                                      أراد: فلم يجبه . وهذا قول أبي عبيدة ، وابن قتيبة ، والزجاج . (لعلهم يرشدون) قال أبو العالية: يعني: يهتدون .

                                                                                                                                                                                                                                      فصل

                                                                                                                                                                                                                                      إن قال قائل: هذه الآية تدل على أن الله تعلى يجيب أدعية الداعين ، وترى كثيرا من الداعين لا يستجاب لهم!

                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 190 ] فالجواب: أن أبا سعيد روى عن النبي صلى الله عليه وسلم ، أنه قال: "ما من مسلم دعا الله تعالى بدعوة ليس فيها قطيعة رحم ولا إثم; إلا أعطاه الله بها إحدى ثلاث خصال: إما أن يعجل دعوته ، وإما أن يدخرها له في الآخرة ، وإما أن يدفع عنه من السوء مثلها" .

                                                                                                                                                                                                                                      وجواب آخر: وهو أن الدعاء تفتقر إجابته إلى شروط أصلها الطاعة لله ، ومنها أكل الحلال ، فإن أكل الحرام يمنع إجابة الدعاء ، ومنها حضور القلب ، ففي بعض الحديث: "يقبل الله دعاء من قلب غافل لاه" .

                                                                                                                                                                                                                                      وجواب آخر: وهو أن الداعي قد يعتقد المصلحة في إجابته إلى ما سأل ، وقد لا تكون المصلحة في ذلك ، فيجاب إلى مقصوده الأصلي ، وهو طلب المصلحة ، وقد تكون المصلحة في التأخير أو في المنع .

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية