الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
كتاب السبق والنضال أخبرنا الربيع بن سليمان قال أخبرنا محمد بن إدريس الشافعي رحمه الله تعالى قال : جماع ما يحل أن يأخذه الرجل من الرجل المسلم ثلاثة وجوه أحدها ما وجب على الناس في أموالهم مما ليس لهم دفعه من جناياتهم وجنايات من يعقلون عنه ، وما وجب عليهم بالزكاة والنذور والكفارات وما أشبه [ ص: 243 ] ذلك ، وما أوجبوا على أنفسهم مما أخذوا به العوض من البيوع والإجارات والهبات للثواب وما في معناه وما أعطوا متطوعين من أموالهم التماس واحد من وجهين أحدهما طلب ثواب الله تعالى ، والآخر طلب الاستحماد ممن أعطوه إياه وكلاهما معروف حسن ونحن نرجو عليه الثواب إن شاء الله تعالى ، ثم ما أعطى الناس من أموالهم من غير هذه الوجوه وما في معناها واحد من وجهين أحدهما حق والآخر باطل فما أعطوا من الباطل غير جائز لهم ولا لمن أعطوه وذلك قول الله عز وجل { ولا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل } فالحق من هذا الوجه الذي هو خارج من هذه الوجوه التي وصفت يدل على الحق في نفسه وعلى الباطل فيما خالفه ، وأصل ذكره في القرآن والسنة والآثار ، قال الله تبارك وتعالى فيما ندب إليه أهل دينه { وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل } فزعم أهل العلم بالتفسير أن القوة هي الرمي ، وقال الله تبارك وتعالى { وما أفاء الله على رسوله منهم فما أوجفتم عليه من خيل ولا ركاب } .

( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى أخبرنا ابن أبي فديك عن ابن أبي ذئب عن نافع بن أبي نافع عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال { لا سبق إلا في نصل أو حافر أو خف } .

( قال الشافعي ) وأخبرني ابن أبي فديك عن ابن أبي ذئب عن عباد بن أبي صالح عن أبيه عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال { لا سبق إلا في حافر أو خف } قال : وأخبرنا ابن أبي فديك عن ابن أبي ذئب عن ابن شهاب قال : مضت السنة في النصل والإبل والخيل والدواب حلال : قال : وأخبرنا مالك بن أنس عن نافع عن ابن عمر { أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سابق بين الخيل التي قد أضمرت } .

( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى : وقول النبي صلى الله عليه وسلم { لا سبق إلا في خف أو حافر أو نصل } يجمع معنيين أحدهما أن كل نصل رمي به من سهم أو نشابة أو ما ينكأ العدو نكايتهما وكل حافر من خيل وحمير وبغال وكل خف من إبل بخت أو عراب داخل في هذا المعنى الذي يحل فيه السبق . والمعنى الثاني أنه يحرم أن يكون السبق إلا في هذا : وهذا داخل في معنى ما ندب الله عز وجل إليه وحمد عليه أهل دينه من الإعداد لعدوه القوة ورباط الخيل والآية الأخرى { فما أوجفتم عليه من خيل ولا ركاب } لأن هذه الركاب لما كان السبق عليها يرغب أهلها في اتخاذها لآمالهم إدراك السبق فيها والغنيمة عليها كانت من العطايا الجائزة بما وصفتها فالاستباق فيها حلال وفيما سواها محرم فلو أن رجلا سابق رجلا على أن يتسابقا على أقدامهما أو سابقه على أن يعدو إلى رأس جبل أو على أن يعدو فيسبق طائرا ، أو على أن يصيب ما في يديه ، أو على أن يمسك في يده شيئا فيقول له اركن فيركن فيصيبه ، أو على أن يقوم على قدميه ساعة أو أكثر منها ، أو على أن يصارع رجلا ، أو على أن يداحي رجلا بالحجارة فيغلبه كان هذا كله غير جائز من قبل أنه خارج من معاني الحق الذي حمد الله عليه وخصته السنة بما يحل فيه السبق وداخل في معنى ما حظرته السنة إذ نفت السنة أن يكون السبق إلا في خف أو نصل أو حافر وداخل في معنى أكل المال بالباطل لأنه ليس مما أخذ المعطي عليه عوضا ولا لزمه بأصل حق ولا أعطاه طلبا لثواب الله عز وجل ولا لمحمدة صاحبه بل صاحبه يأخذه غير حامد له وهو غير مستحق له فعلى هذا عطايا الناس وقياسها .

( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى : والأسباق ثلاثة سبق يعطيه الوالي أو الرجل غير الوالي من مال متطوعا به وذلك مثل أن يسبق بين الخيل من غاية إلى غاية فيجعل للسابق شيئا معلوما وإن شاء جعل للمصلي والثالث والرابع والذي يليه بقدر ما أرى فما جعل لهم كان لهم على ما جعل لهم وكان مأجورا ، عليه أن يؤدي فيه وحلالا لمن أخذه . وهذا وجه ليست فيه علة . والثاني يجمع وجهين وذلك أن يكون الرجلان يريدان يستبقان بفرسيهما ولا يريد كل [ ص: 244 ] واحد منهما أن يسبق صاحبه ويريدان أن يخرجا سبقين من عندهما وهذا لا يجوز حتى يدخلا بينهما محللا ، والمحلل فارس أو أكثر من فارس ولا يجوز المحلل حتى يكون كفؤا للفارسين لا يأمنان أن يسبقهما فإذا كان بينهما محلل أو أكثر فلا بأس أن يخرج كل واحد منهما ما تراضيا عليه مائة مائة أو أكثر أو أقل ويتواضعانها على يدي من يثقان به أو يضمنانها ويجري بينهما المحلل فإن سبقهما المحلل كان ما أخرجا جميعا له وإن سبق أحدهما المحلل أحرز السابق ماله وأخذ مال صاحبه وإن أتيا مستويين لم يأخذ واحد منهما من صاحبه شيئا وأقل السبق أن يفوت أحدهما صاحبه بالهادي أو بعضه أو بالكتد أو بعضه .

( قال الربيع ) الهادي عنق الفرس والكتد كتف الفرس والمصلي هو الثاني والمحلل هو الذي يرمي معي ومعك ويكون كفؤا للفارسين فإن سبقنا المحلل أخذ منا جميعا وإن سبقناه لم نأخذ منه شيئا لأنه محلل وإن سبق أحدنا صاحبه وسبقه المحلل أخذ المحلل منه السبق ولم يأخذ مني لأني قد أخذت سبقي .

( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى وإذا كان هذا في الاثنين هكذا فسواء لو كانوا مائة أخرج كل واحد منهم مثل ما يخرج صاحبه وأدخلوا بينهم محللا إن سبق كان له جميع ذلك وإن سبق لم يكن عليه شيء وإنما قلنا هذا لأن أصل السنة في السبق أن يكون بين الخيل وما يجري فإن سبق غنم وإن سبق لم يغرم وهكذا هذا في الرمي والثالث أن يسبق أحد الفارسين صاحبه فيكون السبق منه دون صاحبه فإن سبقه صاحبه كان له السبق وإن سبق صاحبه لم يغرم صاحبه شيئا وأحرز هو ماله وسواء لو أدخل معه عشرة هكذا ولا يجوز أن يجري الرجل مع الرجل يخرج كل واحد منها سبقا ويدخلان بينهما محللا إلا والغاية التي يجريان منها والغاية التي ينتهيان إليها واحدة ولا يجوز أن ينفصل أحدهما عن الآخر بخطوة واحدة .

التالي السابق


الخدمات العلمية