الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                          صفحة جزء
                                                          [ خفض ]

                                                          خفض : في أسماء الله تعالى الخافض : هو الذي يخفض الجبارين والفراعنة أي : يضعهم ويهينهم ويخفض كل شيء يريد خفضه . والخفض : ضد الرفع . خفضه يخفضه خفضا فانخفض واختفض . والتخفيض : مدك رأس البعير إلى الأرض ; قال :


                                                          يكاد يستعصي على مخفضه



                                                          وامرأة خافضة الصوت وخفيضة الصوت : خفيته لينته ، وفي التهذيب : ليست بسليطة ، وقد خفضت وخفض صوتها : لان وسهل . وفي التنزيل العزيز : خافضة رافعة ; قال الزجاج : المعنى أنها تخفض أهل المعاصي وترفع أهل الطاعة ، وقيل : تخفض قوما فتحطهم عن مراتب آخرين ترفعهم إليها ، والذين خفضوا يسلفون إلى النار ، والمرفوعون يرفعون إلى غرف الجنان . ابن شميل في قول النبي - صلى الله عليه وسلم : ( إن الله يخفض القسط ويرفعه ) ، قال : القسط العدل ينزله مرة إلى الأرض ويرفعه أخرى . وفي التنزيل العزيز : فمن ثقلت موازينه خفضت ومن خفت موازينه شالت . غيره : خفض العدل ظهور الجور عليه إذا فسد الناس ، ورفعه ظهوره على الجور إذا تابوا وأصلحوا ، فخفضه من الله تعالى استعتاب ورفعه رضا . وفي حديث الدجال : فرفع فيه وخفض ; أي : عظم فتنته ورفع قدرها ثم وهن أمره وقدره وهونه ، وقيل : أراد أنه رفع صوته وخفضه في اقتصاص أمره ، والعرب تقول : أرض خافضة السقيا إذا كانت سهلة السقيا ، ورافعة السقيا إذا كانت على خلاف ذلك . والخفض : الدعة ، يقال : عيش [ ص: 112 ] خافض . والخفض والخفيضة جميعا : لين العيش وسعته . وعيش خفض وخافض ومخفوض وخفيض : خصيب في دعة وخصب ولين ، وقد خفض عيشه ; وقول هميان بن قحافة :


                                                          بان الجميع بعد طول مخفضه



                                                          قال ابن سيده : إنما حكمه بعد طول مخفضه كقولك بعد طول خفضه لكن هكذا روي بالكسر وليس بشيء . ومخفض القوم : الموضع الذي هم فيه في خفض ودعة ، وهم في خفض من العيش ; قال الشاعر :


                                                          إن شكلي وإن شكلك شتى     فالزمي الخص واخفضي تبيضضي



                                                          أراد تبيضي فزاد ضادا إلى الضادين . ابن الأعرابي : يقال للقوم هم خافضون إذا كانوا وادعين على الماء مقيمين ، وإذا انتجعوا لم يكونوا في النجعة خافضين ؛ لأنهم يظعنون لطلب الكلإ ومساقط الغيث . والخفض : العيش الطيب . وخفض عليك أي : سهل . وخفض عليك جأشك أي : سكن قلبك . وخفض الطائر جناحه : ألانه وضمه إلى جنبه ليسكن من طيرانه ، وخفض جناحه يخفضه خفضا : ألان جانبه ، على المثل بخفض الطائر لجناحه . وفي حديث وفد تميم : فلما دخلوا المدينة بهش إليهم النساء والصبيان يبكون في وجوههم فأخفضهم ذلك ; أي : وضع منهم ; قال ابن الأثير : قال أبو موسى أظن الصواب بالحاء المهملة والظاء المعجمة ، أي : أغضبهم . وفي حديث الإفك : ورسول الله - صلى الله عليه وسلم - يخفضهم أي : يسكنهم ويهون عليهم الأمر ، من الخفض الدعة والسكون . وفي حديث أبي بكر قال لعائشة - رضي الله عنهما - في شأن الإفك : خفضي عليك أي : هوني الأمر عليك ولا تحزني له . وفلان خافض الجناح وخافض الطير إذا كان وقورا ساكنا . وقوله تعالى : واخفض لهما جناح الذل من الرحمة ; أي : تواضع لهما ولا تتعزز عليهما . والخافضة : الخاتنة . وخفض الجارية يخفضها خفضا : وهو كالختان للغلام ، وأخفضت هي ، وقيل : خفض الصبي خفضا ختنه فاستعمل في الرجل ، والأعرف أن الخفض للمرأة والختان للصبي ، فيقال للجارية خفضت ، وللغلام ختن ، وقد يقال للخاتن خافض ، وليس بالكثير . وقال النبي - صلى الله عليه وسلم - لأم عطية : ( إذا خفضت فأشمي ) ; أي : ختنت الجارية فلا تسحتي الجارية . والخفض : ختان الجارية . والخفض : المطمئن من الأرض ، وجمعه خفوض . والخافضة : التلعة المطمئنة من الأرض والرافعة المتن من الأرض . والخفض : السير اللين وهو ضد الرفع . يقال : بيني وبينك ليلة خافضة أي : هينة السير ; قال الشاعر :


                                                          مخفوضها زول ، ومرفوعها     كمر صوب لجب وسط ريح



                                                          قال ابن بري : الذي في شعره :


                                                          مرفوعها زول ومخفوضها



                                                          والزول : العجب أي : سيرها اللين كمر الريح ، وأما سيرها الأعلى وهو المرفوع فعجب لا يدرك وصفه . وخفض الصوت : غضه . يقال : خفض عليك القول . والخفض والجر واحد ، وهما في الإعراب بمنزلة الكسر في البناء في مواصفات النحويين . والانخفاض : الانحطاط بعد العلو ، والله - عز وجل - يخفض من يشاء ويرفع من يشاء ; قال : الراجز يهجو مصدقا ، وقال ابن الأعرابي : هذا رجل يخاطب امرأته ويهجو أباها ؛ لأنه كان أمهرها عشرين بعيرا كلها بنات لبون ؛ فطالبه بذلك فكان إذا رأى في إبله حقة سمينة يقول : هذه بنت لبون ليأخذها ، وإذا رأى بنت لبون مهزولة يقول هذه بنت مخاض ليتركها ; فقال :


                                                          لأجعلن لابنة عثم فنا     من أين عشرون لها من أنى ؟
                                                          حتى يكون مهرها دهدنا     يا كروانا صك فاكبأنا
                                                          فشن بالسلح ، فلما شنا     بل الذنابى عبسا مبنا
                                                          أإبلي تأكلها مصنا     خافض سن ومشيلا سنا ؟



                                                          وخفض الرجل : مات ، وحكى ابن الأعرابي : أصيب بمصائب تخفض الموت أي : بمصائب تقرب إليه الموت لا يفلت منها .

                                                          التالي السابق


                                                          الخدمات العلمية