الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                        الحكم الثاني : السراية إلى الولد يجوز وطء المدبرة والمعلق عتقها بصفة ، لكمال الملك ، ونفاذ التصرف ، فإن أولدها ، صارت مستولدة ، وبطل التدبير على الأصح ، كما سبق . وفائدة الخلاف فيما لو قال : كل مدبر لي حر ، هل تعتق هي ؟ ولو أتت المدبرة بولد من نكاح أو زنى ، سرى التدبير إليه على الأظهر عند الأكثرين ، منهم الشيخان أبو حامد والقفال ، وهو مذهب مالك وأبي حنيفة وأحمد رحمهم الله ، كما يتبع ولد المستولدة والأضحية والهدي أمه .

                                                                                                                                                                        قلت : بل الأظهر عند الأكثرين أنه لا يتبعها . والله أعلم .

                                                                                                                                                                        ولو ولدت المعلق عتقها بصفة ، لم يتبعها الولد على الأظهر ، وولد الموصى بها لا يتبعها على المذهب . وقال الشيخ أبو محمد : يحتمل طرد القولين ، فإذا جعلنا ولد المدبرة مدبرا ، فماتت في حياة السيد ، لم يبطل التدبير في الولد ، كما لو دبر عبدين فمات أحدهما قبل السيد ، [ ص: 204 ] وكما لو ماتت المستولدة لا يبطل حق الولد . ولو رجع السيد عن تدبير أحدهما باللفظ وجوزناه ، أو باع أحدهما ، لم يبطل التدبير في الآخر . ولو كان الثلث لا يفي إلا بأحدهما ، فوجهان ، أصحهما وبه قال ابن الحداد : يقرع بينهما ، كعبدين ضاق الثلث عنهما ، والثاني : يقسم العتق عليهما ، لئلا تخرج القرعة على الولد فيعتق ، ويرق الأصل .

                                                                                                                                                                        وإذا قلنا : المعلق عتقها بصفة يتبعها الولد ، فمعناه أن الصفة إذا وجدت فيها وعتقت ، عتق الولد ، ولا تعتبر الصفة فيه . ولو وجدت الصفة منه ، فلا أثر لها . هذا هو الصحيح المعروف في المذهب . وقال الشيخ أبو محمد : مقتضى سراية التعليق أن عتقه بنفس الصفة ، وهي دخول الدار مثلا ، فعلى هذا لا يعتق هو بدخولها ، ويعتق بدخوله .

                                                                                                                                                                        ولو بطل التعليق فيها بموتها ، بطل في الولد . ومقتضى قول الشيخ أبي محمد أن لا يبطل فيه . ولو قال لأمته : أنت حرة بعد موتي بعشر سنين مثلا ، فإنما يعتق بعد مضي تلك المدة من يوم الموت ، فلو ولدت قبل موت السيد ، فهل يتبعها الولد في حكم الصفة ؟ فيه القولان .

                                                                                                                                                                        وإن ولدت بعد موت السيد وقبل مضي المدة ، فقد نص الشافعي رحمه الله أنه يتبعها ، فقيل : فيه القولان كما قبل الموت ، وإنما فرع على أحدهما ، وقيل : يتبعها قطعا لتأكد سبب العتق ، إذ ليس للوارث التصرف فيها ، فأشبهت المستولدة ، فعلى هذا يعتق الولد من رأس المال كولد المستولدة . وأما ولد المدبر ، فلا يؤثر تدبير أبيه فيه ، وإنما يتبع الأم في الرق والحرية .

                                                                                                                                                                        فرع

                                                                                                                                                                        هذا الذي ذكرناه في ولد المدبرة ، هو فيما إذا حدث بعد التدبير ، وانفصل قبل موت السيد ، فأما إذا كانت حاملا عند موت السيد ، فيعتق معها الحمل بلا خلاف ، كما لو أعتق حاملا ، فإن لم يحتملها [ ص: 205 ] الثلث حاملا ، عتق منها قدر الثلث ، وكذا المعلق عتقها على صفة لو كانت حاملا عند وجود الصفة . ولو كانت المدبرة حاملا عند التدبير ، فطريقان : أحدهما : أنه على القولين في أن الحمل هل يعرف ؟ إن قلنا : نعم وهو الأظهر ، فالولد مدبر ، وإلا ففيه القولان في الولد الحادث ، والمذهب القطع بأنه مدبر . وإن قلنا : لا يعرف الحمل كما يدخل في البيع . وإن قلنا : لا يعرف وليس هو بسراية التدبير بل اللفظ يتناوله وإنما يعرف كونه موجودا عند التدبير إذا ولدته لدون ستة أشهر ، فإن ولدته لأكثر من أربع سنين من وقت التدبير ، فهو حادث ، وإن ولدته لما بينهما ، نظر ، هل لها زوج يفترشها أم لا ، وقد سبقت نظائره في مواضع . وإن كان لها زوج قد فارقها قبل التدبير ، وولدت لدون أربع سنين من وقت الفراق ، فالأظهر أنه يجعل موجودا يوم التدبير ، كما يجعل موجودا في ثبوت النسب من الزوج .

                                                                                                                                                                        فرع

                                                                                                                                                                        إذا ثبت التدبير في الحمل ، ثم انفصل ، فرجوع السيد في التدبير عن أحدهما لا يرفع التدبير في حق الآخر . وإن رجع قبل الانفصال عن تدبير الحمل ، وجوزنا الرجوع باللفظ ، ارتفع التدبير فيه ، وبقي في الأم . وقيل : لا يصح الرجوع فيه ما دام حملا مع بقاء التدبير في الأم ، والصحيح الأول . وإن رجع في تدبير الأم ، نظر ، إن قال : رجعت في تدبيرها دون الولد ، لم يخف حكمه ، وإن أطلق ، فوجهان ، أحدهما : يتبعها في الرجوع ، كما يتبعها في التدبير ، وأصحهما : لا يتبعها كالرجوع بعد الانفصال ، بخلاف التدبير ، فإن فيه معنى العتق ، وللعتق قوة . وإذا رجع في تدبيرها دون الولد ، ثم ولدت لدون ستة أشهر من وقت الرجوع ، فهو مدبر . وإن أتت به لأكثر من ذلك ، ولها زوج يفترشها ، لم يكن مدبرا ; لأنه لا يعلم وجوده قبل الرجوع .

                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية