الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                          صفحة جزء
                                                          [ خمس ]

                                                          خمس : الخمسة : من عدد المذكر ، والخمس : من عدد المؤنث معروفان ؛ يقال : خمسة رجال وخمس نسوة ، التذكير بالهاء . ابن السكيت : يقال صمنا خمسا من الشهر فيغلبون الليالي على الأيام إذا لم يذكروا الأيام ، وإنما يقع الصيام على الأيام لأن ليلة كل يوم قبله ، فإذا أظهروا الأيام قالوا صمنا خمسة أيام ، وكذلك أقمنا عنده عشرا بين يوم وليلة ؛ غلبوا التأنيث ، كما قال الجعدي :

                                                          [ ص: 155 ]

                                                          أقامت ثلاثا بين يوم وليلة وكان النكير أن تضيف وتجأرا



                                                          ويقال : له خمس من الإبل ، وإن عنيت جمالا ، لأن الإبل مؤنثة ؛ وكذلك له خمس من الغنم ، وإن عنيت أكبشا ، لأن الغنم مؤنثة . وتقول : عندي خمسة دراهم ، الهاء مرفوعة ، وإن شئت أدغمت لأن الهاء من خمسة تصير تاء في الوصل فتدغم في الدال ، وإن أدخلت الألف واللام في الدراهم قلت : عندي خمسة الدراهم ، بضم الهاء ، ولا يجوز الإدغام لأنك قد أدغمت اللام في الدال ، ولا يجوز أن تدغم الهاء من خمسة وقد أدغمت ما بعدها ؛ قال الشاعر :


                                                          ما زال مذ عقدت يداه إزاره     فسما وأدرك خمسة الأشبار



                                                          وتقول في المؤنث : عندي خمس القدور ، كما قال ذو الرمة :


                                                          وهل يرجع التسليم أو يكشف العمى     ثلاث الأثافي والرسوم البلاقع



                                                          وتقول : هذه الخمسة دراهم ، وإن شئت رفعت الدراهم وتجريها مجرى النعت ، وكذلك إلى العشرة . والمخمس من الشعر : ما كان على خمسة أجزاء ، وليس ذلك في وضع العروض . وقال أبو إسحاق : إذا اختلطت القوافي ، فهو المخمس . وشيء مخمس أي له خمسة أركان . وخمسهم يخمسهم خمسا : كان لهم خامسا . ويقال : جاء فلان خامسا وخاميا ؛ وأنشد ابن السكيت للحادرة واسمه قطبة بن أوس :


                                                          كم للمنازل من شهر وأعوام     بالمنحنى بين أنهار وآجام
                                                          مضى ثلاث سنين منذ حل بها     وعام حلت وهذا التابع الحامي



                                                          والذي في شعره :


                                                          هذي ثلاث سنين قد خلون لها



                                                          وأخمس القوم : صاروا خمسة . ورمح مخموس : طوله خمس أذرع . والخمسون من العدد : معروف . وكل ما قيل في الخمسة وما صرف منها مقول في الخمسين وما صرف منها ؛ وقول الشاعر :


                                                          علام قتل مسلم تعمدا     مذ سنة وخمسون عددا



                                                          بكسر الميم في خمسون ، احتاج إلى حركة الميم لإقامة الوزن ، ولم يفتحها لئلا يوهم أن الفتح أصلها لأن الفتح لا يسكن ، ولا يجوز أن يكون حركها عن سكون لأن مثل هذا الساكن لا يحرك بالفتح إلا في ضرورة لا بد منه فيها ، ولكنه قدر أنها في الأصل خمسون كعشرة ثم أسكن ، فلما احتاج رده إلى الأصل وآنس به ما ذكرناه من عشرة ؛ وفي التهذيب : كسر الميم من خمسون ، والكلام خمسون ؛ كما قالوا خمس عشرة ، بكسر الشين ؛ وقال الفراء : رواه غيره خمسون عددا ، بفتح الميم ، بناه على خمسة وخمسات . وحكى ابن الأعرابي عن أبي مرجح : شربت هذا الكوز أي خمسة بمثله . والخمس ، بالكسر : من أظماء الإبل ، وهو أن ترد الإبل الماء اليوم الخامس ، والجمع أخماس . سيبويه : لم يجاوز به هذا البناء . وقالوا ضرب أخماسا لأسداس إذا أظهر أمرا يكنى عنه بغيره . قال ابن الأعرابي : العرب تقول لمن خاتل : ضرب أخماسا لأسداس ؛ وأصل ذلك أن شيخا كان في إبله ومعه أولاده ، رجالا يرعونها قد طالت غربتهم عن أهلهم ، فقال لهم ذات يوم : ارعوا إبلكم ربعا ، فرعوا ربعا نحو طريق أهلهم ، فقالوا له : لو رعيناها خمسا ، فزادوا يوما قبل أهلهم ، فقالوا : لو رعيناها سدسا ، ففطن الشيخ لما يريدون ، فقال : ما أنتم إلا ضرب أخماس لأسداس ، ما همتكم رعيها إنما همتكم أهلكم ؛ وأنشأ يقول :


                                                          وذلك ضرب أخماس أراه     لأسداس عسى أن لا تكونا



                                                          وأخذ الكميت هذا البيت لأنه مثل فقال :


                                                          وذلك ضرب أخماس أريدت     لأسداس عسى أن لا تكونا



                                                          قال ابن السكيت في هذا البيت : قال أبو عمرو هذا كقولك شش بنج ، وهو أن تظهر خمسة تريد ستة . أبو عبيدة : قالوا ضرب أخماس لأسداس ، يقال للذي يقدم الأمر يريد به غيره فيأتيه من أوله فيعمل رويدا رويدا . الجوهري : قولهم فلان يضرب أخماسا لأسداس أي يسعى في المكر والخديعة ، وأصله من أظماء الإبل ، ثم ضرب مثلا للذي يراوغ صاحبه ويريه أنه يطيعه ؛ وأنشد ابن الأعرابي لرجل من طيئ :


                                                          الله يعلم لولا أنني فرق     من الأمير لعاتبت ابن نبراس
                                                          في موعد قاله لي ثم أخلفه     غدا غدا ضرب أخماس لأسداس
                                                          حتى إذا نحن ألجأنا مواعده     إلى الطبيعة في رفق وإيناس
                                                          أجلت مخيلته عن لا فقلت له     لو ما بدأت بها ما كان من باس
                                                          وليس يرجع في لا بعدما سلفت     منه نعم طائعا حر من الناس



                                                          وقال خريم بن فاتك الأسدي :


                                                          لو كان للقوم رأي يرشدون به     أهل العراق رموكم بابن عباس
                                                          لله در أبيه أيما رجل     ما مثله في فصال القول في الناس
                                                          لكن رموكم بشيخ من ذوي يمن     لم يدر ما ضرب أخماس لأسداس



                                                          يعني أنهم أخطئوا الرأي في تحكيم أبي موسى دون ابن عباس . وما أحسن ما قاله ابن عباس ، وقد سأله عتبة بن أبي سفيان بن حرب فقال : ما منع عليا أن يبعثك مكان أبي موسى ؟ فقال : منعه والله من ذلك حاجز القدر ومحنة الابتلاء وقصر المدة ، والله لو بعثني مكانه [ ص: 156 ] لاعترضت في مدارج أنفاس معاوية ناقضا لما أبرم ، ومبرما لما نقض ، ولكن مضى قدر وبقي أسف والآخرة خير لأمير المؤمنين ؛ فاستحسن عتبة بن أبي سفيان كلامه ، وكان عتبة هذا من أفصح الناس ، وله خطبة بليغة في ندب الناس إلى الطاعة خطبها بمصر فقال : يا أهل مصر ، قد كنتم تعذرون ببعض المنع منكم لبعض الجور عليكم ، وقد وليكم من يقول بفعل ويفعل بقول ، فإن دررتم له مراكم بيده ، وإن استعصيتم عليه مراكم بسيفه ، ورجا في الآخر من الأجر ما أمل في الأول من الزجر ؛ إن البيعة متابعة ، فلنا عليكم الطاعة فيما أحببنا ، ولكم علينا العدل فيما ولينا ، فأينا غدر فلا ذمة له عند صاحبه ، والله ما نطقت به ألسنتنا حتى عقدت عليه قلوبنا ، ولا طلبناها منكم حتى بذلناها لكم ناجزا بناجز ! فقالوا : سمعا سمعا ! فأجابهم : عدلا عدلا ! وقد خمست الإبل وأخمس صاحبها : وردت إبله خمسا ، ويقال لصاحب الإبل التي ترد خمسا : مخمس ؛ وأنشد أبو عمرو بن العلاء لامرئ القيس :


                                                          يثير ويبدي تربها ويهيله     إثارة نباث الهواجر مخمس



                                                          غيره : الخمس ، بالكسر ، من أظماء الإبل أن ترعى ثلاثة أيام وترد اليوم الرابع ، والإبل خامسة وخوامس . قال الليث : والخمس شرب الإبل يوم الرابع من يوم صدرت لأنهم يحسبون يوم الصدر فيه ؛ قال الأزهري : هذا غلط لا يحسب يوم الصدر في ورد النعم ، والخمس : أن تشرب يوم وردها وتصدر يومها ذلك وتظل بعد ذلك اليوم في المرعى ثلاثة أيام سوى يوم الصدر ، وترد اليوم الرابع ، وذلك الخمس . قال : ويقال فلاة خمس إذا انتاط وردها حتى يكون ورد النعم اليوم الرابع سوى اليوم الذي شربت وصدرت فيه . ويقال : خمس بصباص وقعقاع وحثحاث إذا لم يكن في سيرها إلى الماء وتيرة ولا فتور لبعده . غيره : الخمس اليوم الخامس من صدرها يعني صدر الواردة . والسدس : الورد يوم السادس . وقال راوية الكميت : إذا أراد الرجل سفرا بعيدا عود إبله أن تشرب خمسا ثم سدسا حتى إذا دفعت في السير صبرت ؛ وقول العجاج :


                                                          وإن طوي من قلقات الخرت     خمس كحبل الشعر المنحت
                                                          ما في انطلاق ركبه من أمت



                                                          أراد : وإن طوي من إبل قلقات الخرت خمس . قال : والخمس ثلاثة أيام في المرعى ويوم في الماء ، ويحسب يوم الصدر . فإذا صدرت الإبل حسب ذلك اليوم فيحسب يوم ترد ويوم تصدر . وقوله كحبل الشعر المنحت ، يقال : هذا خمس أجرد كالحبل المنجرد . من أمت : من اعوجاج . والتخميس في سقي الأرض : السقية التي بعد التربيع . وخمس الحبل يخمسه خمسا : فتله على خمس قوى . وحبل مخموس أي من خمس قوى . ابن شميل : غلام خماسي ورباعي : طال خمسة أشبار وأربعة أشبار ، وإنما يقال خماسي ورباعي فيمن يزداد طولا ، ويقال في الثوب سباعي . قال الليث : الخماسي والخماسية من الوصائف ما كان طوله خمسة أشبار ؛ قال : ولا يقال سداسي ولا سباعي إذا بلغ ستة أشبار وسبعة ، قال : وفي غير ذلك الخماسي ما بلغ خمسة ، وكذلك السداسي والعشاري . قال ابن سيده : وغلام خماسي طوله خمسة أشبار ؛ قال :


                                                          فوق الخماسي قليلا يفضله     أدرك عقلا والرهان عمله



                                                          والأنثى خماسية . وفي حديث خالد : أنه سأل عمن يشتري غلاما تاما سلفا فإذا حل الأجل قال خذ مني غلامين خماسيين أو علجا أمرد ، قال : لا بأس ؛ الخماسيان طول كل واحد منهما خمسة أشبار ولا يقال سداسي ولا سباعي ولا في غير الخمسة لأنه إذا بلغ سبعة أشبار صار رجلا . وثوب خماسي وخميس ومخموس : طوله خمسة ؛ قال عبيد يذكر ناقته :


                                                          هاتيك تحملني وأبيض صارما     ومذربا في مارن مخموس



                                                          يعني رمحا طول مارنه خمس أذرع . ومنه حديث معاذ : ائتوني بخميس أو لبيس آخذه منكم في الصدقة ؛ الخميس : الثوب الذي طوله خمس أذرع ، كأنه يعني الصغير من الثياب مثل جريج ومجروح وقتيل ومقتول ، وقيل : الخميس ثوب منسوب إلى ملك كان باليمن أمر أن تعمل هذه الأردية فنسبت إليه . والخمس : ضرب من برود اليمن ؛ قال الأعشى يصف الأرض :


                                                          يوما تراها كشبه أردية ال     خمس ويوما أديمها نغلا



                                                          وكان أبو عمرو يقول : إنما قيل للثوب خميس لأن أول من عمله ملك باليمن يقال له الخمس ، بالكسر ، أمر بعمل هذه الثياب فنسبت إليه . قال ابن الأثير : وجاء في البخاري خميص ، بالصاد ، قال : فإن صحت الرواية فيكون مذكر الخميصة ، وهي كساء صغير فاستعارها للثوب . ويقال : هما في بردة أخماس إذا تقارنا واجتمعا واصطلحا ؛ وقوله أنشده ثعلب :


                                                          صيرني جود يديه ومن     أهواه في بردة أخماس



                                                          فسره فقال : قرب بيننا حتى كأني وهو في خمس أذرع . وقال في التهذيب : كأنه اشترى له جارية أو ساق مهر امرأته عنه . قال ابن السكيت : يقال في مثل : ليتنا في بردة أخماس أي ليتنا تقاربنا ، ويراد بأخماس أي طولها خمسة أشبار ، والبردة : شملة من صوف مخططة ، وجمعها البرد . ابن الأعرابي : هما في بردة أخماس ، يفعلان فعلا واحدا يشتبهان فيه كأنهما في ثوب واحد لاشتباههما . والخميس : من أيام الأسبوع معروف ، وإنما أرادوا الخامس ولكنهم خصوه بهذا البناء كما خصوا النجم بالدبران . قال اللحياني : كان أبو زيد يقول مضى الخميس بما فيه فيفرد ويذكر ، وكان أبو الجراح يقول : مضى الخميس بما فيهن فيجمع ويؤنث يخرجه مخرج العدد ، والجمع أخمسة وأخمساء وأخامس ؛ حكيت الأخيرة عن الفراء ، وفي [ ص: 157 ] التهذيب : وخماس ومخمس كما يقال ثناء ومثنى ورباع ومربع . وحكى ثعلب عن ابن الأعرابي : لا تك خميسا أي ممن يصوم الخميس وحده . والخمس والخمس والخمس : جزء من خمسة يطرد ذلك في جميع هذه الكسور عند بعضهم ، والجمع أخماس . والخمس : أخذك واحدا من خمسة ، تقول : خمست مال فلان . وخمسهم يخمسهم ، بالضم ، خمسا : أخذ خمس أموالهم ، وخمستهم أخمسهم ، بالكسر ، إذا كنت خامسهم أو كملتهم خمسة بنفسك . وفي حديث عدي بن حاتم : ربعت في الجاهلية وخمست في الإسلام ، يعني قدت الجيش في الحالين لأن الأمير في الجاهلية كان يأخذ الربع من الغنيمة ، وجاء الإسلام فجعلهم الخمس وجعل له مصارف ، فيكون حينئذ من قولهم ربعت القوم وخمستهم مخففا إذا أخذت ربع أموالهم وخمسها ، وكذلك إلى العشرة . والخميس : الجيش ، وقيل : الجيش الجرار ، وقيل : الجيش الخشن ، وفي المحكم : الجيش يخمس ما وجده ، وسمي بذلك لأنه خمس فرق : المقدمة والقلب والميمنة والميسرة والساقة ؛ ألا ترى إلى قول الشاعر :


                                                          قد يضرب الجيش الخميس الأزورا



                                                          فجعله صفة . وفي حديث خيبر : محمد والخميس أي والجيش ، وقيل : سمي خميسا لأنه تخمس فيه الغنائم ، ومحمد خبر مبتدأ أي هذا محمد . ومنه حديث عمرو بن معديكرب : هم أعظمنا خميسا أي جيشا . وأخماس البصرة خمسة : فالخمس الأول العالية ، والخمس الثاني بكر بن وائل ، والخمس الثالث تميم ، والخمس الرابع عبد القيس ، والخمس الخامس الأزد . والخمس : قبيلة ؛ أنشد ثعلب :


                                                          عاذت تميم بأحفى الخمس إذ لقيت     إحدى القناطر لا يمشى لها الخمر



                                                          والقناطر : الدواهي . وقوله : لا يمشى لها الخمر يعني أنهم أظهروا لهم القتال . وابن الخمس : رجل ؛ وأما قول شبيب بن عوانة :


                                                          عقيلة دلاه للحد ضريحه     وأثوابه يبرقن والخمس مائج



                                                          فعقيلة والخمس : رجلان . وفي حديث الحجاج : أنه سأل الشعبي عن المخمسة ، قال : هي مسألة من الفرائض اختلف فيها خمسة من الصحابة : علي وعثمان وابن مسعود وزيد وابن عباس - رضي الله عنهم - وهي أم وأخت وجد .

                                                          التالي السابق


                                                          الخدمات العلمية