الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
[ ص: 110 ] باب

ذكر أحكام الهمزتين اللتين من كلمتين

اعلم أن الهمزتين تلتقيان من كلمتين على ثمانية أضرب فالضرب الأول أن تتحركا بالفتح وذلك نحو قوله : جاء أحدهم ، و السفهاء أموالكم ، و شاء أنشره ، وشبهه .

والضرب الثاني أن تتحركا بالكسر ، وذلك نحو قوله : هؤلاء إن كنتم ، و من النساء إلا ، و على البغاء إن أردن ، وشبهه .

والضرب الثالث أن تتحركا بالضم . وذلك في موضع واحد ، وهو قوله في ( الأحقاف ) : أولياء أولئك .

والضرب الرابع أن تتحرك الأولى بالضم ، والثانية بالفتح ، وذلك نحو قوله : السفهاء ألا ، و سوء أعمالهم ، و " ما يشاء ألم تر " ، وشبهه .

[ ص: 111 ] والضرب الخامس أن تتحرك الأولى بالكسر ، والثانية بالفتح . وذلك نحو قوله : من خطبة النساء أو أكننتم ، و هؤلاء أهدى ، و من الماء أو مما ، وشبهه .

والضرب السادس أن تتحرك الأولى بالفتح ، والثانية بالكسر . وذلك نحو قوله : شهداء إذ ، و أولياء إن استحبوا ، وشبهه .

والضرب السابع أن تتحرك الأولى بالضم ، والثانية بالكسر . وذلك نحو قوله : من يشاء إلى صراط ، و السوء إن أنا ، و شهداء إلا أنفسهم ، وشبهه .

والضرب الثامن أن تتحرك الأولى بالفتح ، والثانية بالضم . وذلك في قوله في ( المؤمنين ) : " كلما جاء أمة " .

* * *

فأما الضرب الأول فاختلفت القراءة فيه على ثلاثة أوجه . منهم من يحقق الهمزتين فيه . ومنهم من يسقط الأولى منهما إسقاطا ، ويحقق الثانية . ومنهم من يحقق الأولى ، ويسهل الثانية .

[ ص: 112 ] فأما نقط ذلك على مذهب من حقق الهمزتين فهو أن تجعل الهمزة الأولى نقطة بالصفراء ، وحركتها نقطة بالحمراء عليها ، بعد الألف التي هي آخر الكلمة الأولى . وتجعل الهمزة الثانية نقطة بالصفراء ، وحركتها نقطة بالحمراء عليها ، في الألف التي هي أول الكلمة الثانية . وصورة ذلك كما ترى : جاء أحدهم ، السفهاء أموالكم ، تلقاء أصحاب النار ، وشبهه .

وأما نقطه على مذهب من أسقط الهمزة الأولى ، وحقق الهمزة الثانية فهو أن يعرى ما بعد الألف التي هي آخر الكلمة الأولى من علامة التحقيق التي هي نقطة بالصفراء ، ومن علامة التسهيل التي هي نقطة بالحمراء ؛ لأنها تذهب من اللفظ رأسا ، ولا يبقى لها أثر . وتجعل الهمزة الثانية نقطة بالصفراء ، وحركتها نقطة بالحمراء ، في الألف التي هي أول الكلمة الثانية . وصورة ذلك كما ترى : " جا أجلهم " ، " تلقا أصحاب " ، " شا أنشره " ، وشبهه .

وأما نقطه على مذهب من حقق الهمزة الأولى ، وسهل الهمزة الثانية ؛ فهو أن تجعل المحققة نقطة بالصفراء ، وحركتها عليها ، بعد الألف الأولى ، وتجعل المسهلة نقطة بالحمراء فقط في رأس الألف الثانية . وصورة ذلك كما ترى : " جاء اجلهم " ، السفهاء أموالكم ، " شاء انشره " ، وشبهه .

فإن أتى بعد الهمزة الثانية في هذا الضرب ألف ، وذلك في قوله في ( الحجر ) : " جاء ءال لوط " ، وفي ( القمر ) : " جاء ءال فرعون " جعلت الهمزة [ ص: 113 ] الثانية في مذهب من حققها نقطة بالصفراء ، وحركتها عليها ، قبل تلك الألف . وجعلت في مذهب من سهلها نقطة بالحمراء قبلها أيضا . وصورة النقط على مذهب من حققها والتي قبلها كما ترى : " جاء ءال " . وعلى مذهب من حققها وأسقط التي قبلها : " جا ءال " . وعلى مذهب من سهلها وحقق التي قبلها : " جاء ال " .

* * *

وأما الضرب الثاني فاختلفت القراءة فيه على أربعة أوجه : منهم من يحقق الهمزتين فيه . ومنهم من يسقط الأولى رأسا ، ويحقق الثانية . ومنهم من يحقق الأولى ، ويسهل الثانية . ومنهم من يسهل الأولى ، ويحقق الثانية .

فأما نقط ذلك على مذهب من حقق الهمزتين فهو أن تجعل الهمزة الأولى نقطة بالصفراء ، وحركتها نقطة بالحمراء تحتها ، بعد الألف التي هي آخر الكلمة الأولى . وتجعل الهمزة الثانية نقطة بالصفراء ، وحركتها تحتها ، في الألف التي هي أول الكلمة الثانية . وصورة ذلك كما ترى : هؤلاء إن كنتم ، و من النساء إلا ، وشبهه .

وأما نقطه على مذهب من أسقط الهمزة الأولى ، وحقق الهمزة الثانية فهو أن يعرى ما بعد الألف من علامة التحقيق والتسهيل ، وتجعل الهمزة الثانية نقطة [ ص: 114 ] بالصفراء ، وحركتها نقطة بالحمراء في الألف الثانية . وصورة ذلك كما ترى : " هؤلا إن كنتم " ، و " من النسا إلا " ، وشبهه .

وأما نقطه على مذهب من يحقق الأولى ، ويسهل الثانية فهو أن تجعل الهمزة الأولى المحققة نقطة بالصفراء ، وحركتها من تحتها نقطة بالحمراء ، بعد الألف الأولى ، وتجعل الهمزة الثانية المسهلة نقطة بالحمراء تحت الألف الثانية . وصورة ذلك كما ترى : " هؤلاء ان " ، و " من النساء الا " وشبهه .

وأما نقطه على مذهب من سهل الأولى ، وحقق الثانية فهو أن تجعل المسهلة نقطة بالحمراء بعد الألف الأولى ، وتجعل المحققة نقطة بالصفراء ، وحركتها تحتها نقطة بالحمراء ، تحت الألف الثانية . وصورة ذلك كما ترى : " هؤلا إن كنتم " ، و " من النسا إلا " ، وشبهه . وإن شاء الناقط جعل الهمزة المسهلة بعد الألف في هذا المذهب ياء صغرى بالحمرة من حيث قربت بالتسهيل منها . ويعريها من الحركة ؛ لأن كسرتها ليست بخالصة ، لما ذكرناه قبل . وصورة ذلك كما ترى : " هؤلا إن كنتم " ، و " من النسا إلا " ، وشبهه .

* * *

وأما الضرب الثالث فاختلفت القراءة فيه على أربعة أوجه أيضا : منهم من يحقق الهمزتين فيه . ومنهم من يسقط الأولى ، ويحقق الثانية . ومنهم من يحقق الأولى ، ويسهل الثانية . ومنهم من يسهل الأولى ، ويحقق الثانية .

[ ص: 115 ] فأما نقط ذلك على مذهب من حقق الهمزتين فهو أن تجعل الأولى نقطة بالصفراء ، وحركتها أمامها نقطة بالحمراء ، بعد الألف التي هي آخر الكلمة الأولى . وتجعل الهمزة الثانية نقطة بالصفراء في الألف التي هي أول الكلمة الثانية . وتجعل حركتها نقطة بالحمراء بعدها ، على قول النحويين ؛ لأنهم يزعمون أن الواو التي بعد الهمزة زائدة للفرق . وعلى قول أصحاب المصاحف تجعل تلك الحركة في الواو نفسها ؛ لأنها صورة لها . وصورة نقط ذلك على قول النحويين كما ترى : أولياء أولئك ، وعلى قول أصحاب المصاحف : أولياء أولئك .

وأما نقطه على مذهب من أسقط الهمزة الأولى ، وحقق الهمزة الثانية ، فهو أن يعرى ما بعد الألف الأولى من علامة التحقيق والتسهيل ، وتجعل الهمزة الثانية نقطة بالصفراء في الألف الثانية ، وتجعل حركتها بعدها أو في الواو . وصورة ذلك كما ترى : " أوليا أولئك " ، " أوليا أولئك " .

وأما نقطه على مذهب من حقق الهمزة الأولى ، وسهل الهمزة الثانية ، فهو أن تجعل المحققة نقطة بالصفراء ، وحركتها أمامها ، بعد الألف الأولى . وتجعل المسهلة نقطة بالحمراء فقط في الألف الثانية أو في الواو ، على ما ذكرناه . وصورة ذلك كما ترى : " أولياء اولئك " ، و " أولياء اولئك " .

[ ص: 116 ] وأما نقطه على مذهب من سهل الأولى ، وحقق الثانية ؛ فهو أن تجعل المسهلة نقطة بالحمراء بعد الألف . وإن شاء الناقط جعلها واوا صغرى بالحمرة ، وأعراها من الحركة . وتجعل المحققة نقطة بالصفراء في الألف الثانية ، وحركتها أمامها أو في الواو . وصورة ذلك كما ترى: " أوليا أولئك " ، " أوليا أولئك " .

ومتى جعلت حركة الهمزة الثانية في حال تحقيقها أو تسهيلها ، بعد الهمزة أو في موضعها ، ولم تجعل في الواو ، جعل على الواو دارة صغرى ، علامة لزيادتها . وسنبين ذلك فيما بعد ، إن شاء الله .

* * *

وأما الأضرب الخمسة الباقية فاختلفت القراءة فيها على وجهين لا غير : منهم من يحقق الهمزتين معا . ومنهم من يحقق الأولى ، ويسهل الثانية .

فإذا نقط ذلك على مذهب أهل التحقيق جعلت الهمزتان معا نقطة بالصفراء ، الأولى منهما بعد الألف ، والثانية في الألف . وجعل مع كل واحدة منهما حركتها نقطة بالحمراء .

وإذا نقط على مذهب أهل التسهيل جعلت الهمزة الأولى نقطة بالصفراء بعد الألف في السطر ، وحركتها نقطة بالحمراء من فوقها إن كانت مفتوحة ، [ ص: 117 ] ومن تحتها إن كانت مكسورة ، وأمامها إن كانت مضمومة . وجعلت الهمزة المسهلة بعدها ، سواء أبدلت حرفا خالصا أو جعلت بين بين ، نقطة بالحمراء في رأس الألف إن كانت مفتوحة ، وتحتها إن كانت مكسورة ، وفي وسطها إن كانت مضمومة .

وصورة التحقيق كما ترى : السفهاء ألا ، من خطبة النساء أو ، من يشاء إلى ، شهداء إذ ، جاء أمة . وصورة التسهيل : " السفهاء الا " ، " من السماء او " ، " من يشاء الى " ، " شهداء اذ " ، " جاء امة " .

وقد روي عن ابن كثير من طريق عبد الوهاب بن فليح عن أصحابه عنه أنه يسهل الأولى ، ويحقق الثانية في بعض هذه المواضع . فإذا نقط ذلك على هذا المذهب جعل في موضع الهمزة المسهلة نقطة بالحمراء فقط .

وروي عن أبي جعفر يزيد بن القعقاع القارئ أنه كان يسهل الهمزتين معا في الأضرب الثمانية . فإذا نقط ذلك على مذهبه جعلت الهمزتان معا نقطة بالحمراء فقط ، الأولى بعد الألف ، والثانية في رأس الألف إن كانت مفتوحة ، ومن تحتها إن كانت مكسورة ، وفي وسطها إن كانت مضمومة .

وأهل المدينة ، فيما روينا عن مصاحفهم ، ورأيناه فيها ، ينقطون الهمزتين في الأضرب الثمانية على التحقيق ، فيجعلونهما معا نقطتين بالصفراء . وكذلك وجدنا ذلك في مصاحف أهل بلدنا القديمة . وحدثنا أحمد بن عمر ، قال : نا محمد بن منير ، قال : نا عبد الله بن عيسى ، قال : نا قالون : أن في مصاحف أهل المدينة [ ص: 118 ] بالسوء إلا بهمزتين في الكتاب ، يعني في النقط ، وفي القراءة بهمزة واحدة . يريد وقبلها أو بعدها همزة أخرى مسهلة تنقط بالحمرة .

قال أبو عمرو : والذي قدمناه أدل على حقيقة اللفظ ، وطريق القراءة ، وتخليص المذهب . وبالله التوفيق .

التالي السابق


الخدمات العلمية