الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      وإذا تولى سعى في الأرض ليفسد فيها ويهلك الحرث والنسل والله لا يحب الفساد .

                                                                                                                                                                                                                                      قوله تعالى: (وإذا تولى) . فيه أربعة أقوال . أحدها: أنه بمعنى: غضب ، روي عن ابن عباس ، وابن جريج . والثاني: أنه الانصراف عن القول الذي قاله ، قاله الحسن . والثالث: أنه من الولاية ، فتقديره: إذا صار واليا ، قاله مجاهد والضحاك . والرابع: أنه الانصراف بالبدن ، قاله مقاتل وابن قتيبة .

                                                                                                                                                                                                                                      وفي معنى: "سعى" قولان . أحدهما: أنه بمعنى: عمل ، قاله ابن عباس ومجاهد . والثاني: أنه من السعي بالقدم ، قاله أبو سليمان الدمشقي . وفي الفساد قولان . أحدهما: أنه الكفر . والثاني: الظلم . والحرث: الزرع . والنسل: نسل كل شيء من الحيوان ، هذا قول ابن عباس وعكرمة في آخرين . وحكى الزجاج عن قوم: أن الحرث: النساء ، والنسل: الأولاد . قال: وليس هذا بمنكر ، لأن المرأة تسمى حرثا .

                                                                                                                                                                                                                                      وفي معنى إهلاكه للحرث والنسل ثلاثة أقوال . أحدها: أنه إهلاك ذلك بالقتل والإحراق والإفساد ، قاله الأكثرون . والثاني: أنه إذا ظلم كان الظلم سببا لقطع القطر ، [ ص: 222 ] فيهلك الحرث والنسل ، قاله مجاهد . وهو يخرج على قول من قال: إنه من التولي . والثالث: أنه إهلاك ذلك بالضلال الذي يؤول إلى الهلاك ، حكاه بعض المفسرين .

                                                                                                                                                                                                                                      قوله تعالى: والله لا يحب الفساد قال ابن عباس: لا يرضى بالمعاصي . وقد احتجت المعتزلة بهذه الآية ، فأجاب أصحابنا بأجوبة . منها: أنه لا يحبه دينا ، ولا يريده شرعا ، فأما أنه لم يرده وجودا; فلا . والثاني: أنه لا يحبه للمؤمنين دون الكافرين ، والثالث: أن الإرادة معنى غير المحبة ، فإن الإنسان قد يتناول المر ، ويريد بط الجرح ، ولا يحب شيئا من ذلك . وإذا بان في المعقول الفرق بين الإرادة والمحبة; بطل ادعاؤهم التساوي بينهما ، وهذا جواب معتمد . وفي معنى هذه الآية قوله تعالى: ولا يرضى لعباده الكفر . [ الزمر: 7 ] .

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية