الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
معلومات الكتاب

غذاء الألباب في شرح منظومة الآداب

السفاريني - محمد بن أحمد بن سالم السفاريني

صفحة جزء
ولما ذكر الناظم وجوب بر الوالدين وحذر من عقوقهما أعقب ذلك بالتوصية بحسن الصحبة إلى أصحابهما بعد موتهما ; لأن ذلك من برهما فقال :

مطلب : في بر الرجل أبويه بعد موتهما : وأحسن إلى أصحابه بعد موته فهذا بقايا بره المتعود ( وأحسن ) بالمودة وتحسين الأخلاق وحسن الصحبة ولين الجانب وإطلاق الوجه وحسن البشاشة ( إلى أصحابه ) أي الوالد سواء كان الأب أو الأم بأن يكرم صويحباتها ( بعد موته ) أي والده ، ولعل هذا القيد أغلى فيحسن إلى أصحابه ولو حيا ، لكن لما كان الأغلب إنما يحتاجونه بعد وفاة والده قيدوه بكونه بعد الموت ( فهذا ) أي إحسانك إلى أصحاب والدك ( بقايا ) أي كمال [ ص: 393 ] بره ) منك ، فإن لم تفعل فليس برك له كاملا بل عليك الإحسان لأصحاب والدك لكمال بره ( المتعود ) منك يعني المعتاد .

وفي بعض النسخ " المتزود " يعني المتخذ زادا لكون ذلك صدر منك ووالدك في دار البرزخ ، فكأنك أرسلته زادا له أحوج ما هو إليه ، وذلك لما أخرج أبو داود وابن ماجه عن أبي أسيد مالك بن ربيعة رضي الله عنه قال { بينا نحن جلوس عند رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا جاءه رجل من بني سلمة فقال يا رسول الله هل بقي من بر أبوي شيء أبرهما به بعد موتهما ؟ قال نعم الصلاة عليهما ، والاستغفار لهما ، وإنفاذ عهدهما من بعدهما ، وصلة الرحم التي لا توصل إلا بهما ، وإكرام صديقهما } رواه ابن حبان في صحيحه وزاد في آخره { قال الرجل ما أكثر هذا يا رسول الله وأطيبه ، قال فاعمل به } وتقدم حديث ابن عمر في الذي قال له النبي صلى الله عليه وسلم { هل لك من خالة } .

وأخرج مسلم عن عبد الله بن دينار عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أن رجلا من الأعراب لقيه بطريق مكة فسلم عليه عبد الله بن عمر وحمله على حمار كان يركبه وأعطاه عمامة كانت على رأسه . قال ابن دينار : فقلنا أصلحك الله إنهم الأعراب وهم يرضون باليسير ، فقال عبد الله بن عمر إن أبا هذا كان ودا لعمر بن الخطاب وإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول { وإن أبر البر صلة الولد أهل ود أبيه } .

وأخرج ابن حبان في صحيحه عن أبي بردة قال : { قدمت المدينة فأتاني عبد الله بن عمر فقال أتدري لم أتيتك ؟ قال قلت لا . قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول من أحب أن يصل أباه في قبره فليصل إخوان أبيه } . وأنه كان بين أبي عمر وبين أبيك إخاء وود فأحببت أن أصل ذاك .

وقد ورد في هذا الباب عدة أخبار ، من ذلك قوله صلى الله عليه وسلم { الود يتوارث والبغض يتوارث } وقوله { ثلاث يطفين نور العبد : أن يقطع ود أبيه ، ويبدل سنة صالحة ، ويزني ببصره في الحجرات } وذكر في الآداب الكبرى قال : مكتوب في بعض كتب الله لا تقطع من كان أبوك يصله فيطفى نورك . انتهى .

[ ص: 394 ] وقال عبد العزيز بن أبي الرواد : إذا كان الرجل بارا بأبويه في حياتهما ثم لم يف بعد موتهما بنذورهما ولم يقض ديونهما كتب عند الله تبارك وتعالى عاقا . وإذا كان لم يبرهما وأوفى بنذورهما وقضى ديونهما كتب عند الله سبحانه وتعالى بارا . ذكره الحجاوي رحمه الله .

وقال أبو الليث في تنبيهه : فإن سأل سائل أن الوالدين إذا ماتا ساخطين على الولد هل يمكنه أن يرضيهما بعد وفاتهما ، قيل له بل يرضيهما بثلاثة أشياء ، أولها أن يكون الولد صالحا في نفسه ; لأنه لا يكون شيء أحب إليهما من صلاحه .

والثاني : أن يصل قرابتهما وأصدقاءهما .

والثالث : أن يستغفر لهما ويدعو لهما ويتصدق عنهما .

وذكر عن بعض التابعين أن من دعا لأبويه في كل يوم خمس مرات فقد أدى حقهما لقوله تعالى { أن اشكر لي ولوالديك إلي المصير } فشكر الله أن تصلي في كل يوم خمس مرات ، وكذا شكر الوالدين أن تدعو لهما في كل يوم خمس مرات ، والله أعلم .

التالي السابق


الخدمات العلمية