الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                          صفحة جزء
                                                                                                                                                                                          [ ص: 272 ] كتاب المحاربين

                                                                                                                                                                                          2256 - مسألة : قال الله تعالى : { إنما جزاء الذين يحاربون الله ورسوله } الآية قال أبو محمد : فاختلف الناس ، من هو المحارب الذي يلزمه هذا الحكم ؟ فقالت طائفة : المحارب المذكور في هذه الآية : هم المشركون . روي عن ابن عباس وغيره - كما نا يحيى بن عبد الرحمن بن مسعود نا أحمد بن دحيم نا إبراهيم بن حماد نا إسماعيل بن إسحاق نا محمد بن أبي بكر - هو المقدمي - نا يحيى ، وخالد - هما القطان - وأبو الحارث ، كلاهما عن أشعث عن الحسن البصري في قول الله تعالى { إنما جزاء الذين يحاربون الله ورسوله } الآية ، قال : نزلت في أهل الشرك . وبه - إلى إسماعيل نا يحيى بن عبد الحميد الحماني نا هشيم عن جويبر عن الضحاك قال : كان قوم بينهم وبين النبي صلى الله عليه وسلم ميثاق فنقضوا العهد ، وقطعوا السبيل ، وأفسدوا في الأرض ، فخير الله تعالى نبيه - عليه السلام - فيهم إن شاء أن يقتل ، وإن شاء أن يصلب ، وإن شاء قطع أيديهم وأرجلهم من خلاف .

                                                                                                                                                                                          وبه - إلى إسماعيل نا محمد بن أبي بكر نا أشعث نا سفيان أنه بلغه عن الضحاك بن مزاحم في هذه الآية قال : نزلت في أهل الكتاب . وبه - إلى إسماعيل نا محمد بن عبيد وإبراهيم الهروي ، قال محمد : نا محمد بن ثور ، وقال إبراهيم : نا سفيان ، ثم اتفق محمد بن ثور ، وسفيان ، كلاهما عن معمر عن قتادة ، وعطاء الخراساني ، قالا جميعا في قول الله تعالى { إلا الذين تابوا من قبل أن تقدروا عليهم } هذه الآية لأهل الشرك ، فمن أصاب من [ ص: 273 ] المشركين شيئا من المسلمين - وهو لهم حرب - فأخذ مالا ، وأصاب دما ، ثم تاب من قبل أن يقدر عليه أهدر عنه ما مضى نا حمام القاضي نا ابن مفرج نا أبو علي الحسن بن سعد نا أبو يعقوب الدبري نا عبد الرزاق عن ابن جريج قال : قال لي عطاء بن أبي رباح ، وعبد الكريم : المحاربة شرك - قال ابن جريج : وأقول أنا : لا أعلم أحدا يحارب النبي صلى الله عليه وسلم إلا أشرك . وقالت طائفة : هو المرتد كما نا أبو سعيد الجعفري نا محمد بن علي الإدفوي نا أبو جعفر أحمد بن محمد بن إسماعيل النحوي عن عبد الله بن أحمد بن عبد السلام عن أبي الأزهر نا روح بن عبادة عن ابن جريج نا هشام بن عروة عن أبيه قال : إذا خرج المسلم فشهر سلاحه ، ثم تلصص ، ثم جاء تائبا أقيم عليه الحد - ولو ترك لبطلت العقوبات ، إلا أن يلحق ببلاد الشرك ثم يأتي تائبا : فتقبل منه . وقالت طائفة : اللص ليس مسلما - كما نا عبد الله بن ربيع نا ابن مفرج نا قاسم بن أصبغ نا ابن وضاح نا سحنون نا ابن وهب عن ابن لهيعة عن عبد الله بن أبي جعفر قال : سألت نافعا مولى ابن عمر - عن لص مسلم ، أو كافر أتى مسلما وأراد أن يأخذ ماله ، ويهريق دمه ؟ قال : لو كنت أنا امتنعت - هذا الذي يستغيلني ليهريق دمي ، ويأخذ مالي ، ليس بمسلم . وقالت طائفة : كل لص فهو محارب : كما نا حمام نا ابن مفرج نا الحسن بن سعد نا الدبري نا عبد الرزاق عن ابن جريج عن عبد الكريم - أو غيره - عن الحسن البصري ، وسعيد بن جبير ، قالا جميعا : من خرب فهو محارب قال أبو محمد : المحارب اللص : نا حمام نا ابن مفرج نا ابن الأعرابي نا الدبري نا عبد الرزاق عن سفيان الثوري عن جابر عن الشعبي قال : اللص محارب لله ولرسوله فاقتله ، فما أصابك فيه من شيء من دمه فعلي . وقالت طائفة : لا يكون المحارب إلا من أخاف السبيل : كما نا يحيى بن عبد الرحمن بن مسعود نا أحمد بن دحيم نا إبراهيم بن حماد نا إسماعيل بن إسحاق نا يحيى بن عبد الحميد الحماني نا سفيان بن عيينة عن عمار الدهني قال : جاء [ ص: 274 ] مسعر بن فدكي - وهو متنكر - حتى دخل على علي بن أبي طالب ، فما ترك آية من كتاب الله فيها تشديد إلا سأله عنها ، وهو يقول ، له توبة ، قال : وإن كان مسعر بن فدكي قال : وإن كان مسعر بن فدكي ، قال : فقلت له : فأنا مسعر بن فدكي فأمني ؟ قال : أنت آمن ، قال : وكان يقطع الطريق ، ويستحل الفروج .

                                                                                                                                                                                          وبه - إلى إسماعيل بن إسحاق نا محمد بن أبي بكر نا عمر بن علي عن مجاهد عن الشعبي عن سعيد بن قيس الهمداني أن حارثة بن بدر التميمي - كان عدوا لعلي وكان يهجوه - فأتى الحسن ، والحسين ، وعبد الله بن جعفر - رضي الله عنهم - ليأخذوا له أمانا ، فأبى علي أن يؤمنه ، قال سعيد : فانطلقت إلى علي فقلت : ما { جزاء الذين يحاربون الله ورسوله ويسعون في الأرض فسادا } قال { أن يقتلوا أو يصلبوا أو تقطع أيديهم وأرجلهم من خلاف } الآية قلت : إلا ماذا ؟ قال { إلا الذين تابوا من قبل أن تقدروا عليهم } قلت : فإن حارثة بن بدر قد تاب من قبل أن نقدر عليه ، قال : هو آمن ، قال : فانطلقت بحارثة إلى علي فآمنه .

                                                                                                                                                                                          التالي السابق


                                                                                                                                                                                          الخدمات العلمية