الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                صفحة جزء
                                                                                                                باب صلاة الخوف

                                                                                                                839 حدثنا عبد بن حميد أخبرنا عبد الرزاق أخبرنا معمر عن الزهري عن سالم عن ابن عمر قال صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاة الخوف بإحدى الطائفتين ركعة والطائفة الأخرى مواجهة العدو ثم انصرفوا وقاموا في مقام أصحابهم مقبلين على العدو وجاء أولئك ثم صلى بهم النبي صلى الله عليه وسلم ركعة ثم سلم النبي صلى الله عليه وسلم ثم قضى هؤلاء ركعة وهؤلاء ركعة وحدثنيه أبو الربيع الزهراني حدثنا فليح عن الزهري عن سالم بن عبد الله بن عمر عن أبيه أنه كان يحدث عن صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم في الخوف ويقول صليتها مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بهذا المعنى

                                                                                                                التالي السابق


                                                                                                                باب صلاة الخوف

                                                                                                                ذكر مسلم - رحمه الله - في الباب أربعة أحاديث . أحدها : حديث أبي عمر : ( أن النبي - صلى الله عليه وسلم - صلى بإحدى الطائفتين ركعة والأخرى مواجهة للعدو ، ثم انصرفوا فقاموا مقام أصحابهم وجاء أولئك فصلى بهم ركعة ، ثم سلم فقضى هؤلاء ركعة وهؤلاء ركعة ) وبهذا الحديث أخذ الأوزاعي وأشهب المالكي وهو جائز عند الشافعي ، ثم قيل : إن الطائفتين قضوا ركعتهم الباقية معا ، وقيل : متفرقين وهو الصحيح . الثاني : حديث ابن أبي حثمة بنحوه إلا أن النبي - صلى الله عليه وسلم - صلى بالطائفة الأولى ركعة وثبت قائما فأتموا لأنفسهم ، ثم انصرفوا فصفوا وجاه العدو ، وجاء الآخرون فصلى بهم ركعة ثم ثبت جالسا حتى أتموا ركعتهم ثم سلم بهم . وبهذا أخذ مالك والشافعي وأبو ثور وغيرهم ، وذكر عنه أبو داود في سننه صفة [ ص: 442 ] أخرى أنه صفهم صفين فصلى بمن يليه ركعة ثم ثبت قائما حتى صلى الذين خلفه ركعة ، ثم تقدموا وتأخر الذين كانوا قدامهم فصلى بهم ركعة ثم قعد حتى صلى الذين تخلفوا ركعة ثم سلم . وفي رواية ( سلم بهم جميعا ) . الحديث الثالث : حديث جابر ( أن النبي - صلى الله عليه وسلم - صفهم صفين خلفه والعدو بينهم وبين القبلة وركع بالجميع وسجد معه الصف المؤخر ، وقاموا ثم تقدموا وتأخر الذي يليه وقام المؤخر في نحر العدو ، فلما قضى السجود سجد الصف المقدم ) وذكر في الركعة الثانية نحوه ، وحديث ابن عباس نحو حديث جابر لكن ليس فيه تقدم الصف وتأخر الآخر ، وبهذا الحديث قال الشافعي وابن أبي ليلى وأبو يوسف إذا كان العدو في جهة القبلة ، ويجوز عند الشافعي تقدم الصف الثاني وتأخر الأول كما في رواية جابر ، ويجوز بقاؤهما على حالهما كما هو ظاهر حديث ابن عباس . الحديث الرابع : حديث جابر : ( أن النبي - صلى الله عليه وسلم - صلى بكل طائفة ركعتين ) وفي سنن أبي داود وغيره من رواية أبي بكرة أنه صلى بكل طائفة ركعتين وسلم ، فكانت الطائفة الثانية مفترضين خلف متنفل ، وبهذا قال الشافعي وحكوه عن الحسن البصري ، وادعى الطحاوي أنه منسوخ . ولا تقبل دعواه إذ لا دليل لنسخه فهذه ستة أوجه في صلاة الخوف .

                                                                                                                وروى ابن مسعود وأبو هريرة وجها سابعا : أن النبي - صلى الله عليه وسلم - صلى بطائفة ركعة وانصرفوا ولم يسلموا ووقفوا بإزاء العدو ، وجاء الآخرون فصلى بهم ركعة ثم سلم فقضى هؤلاء ركعتهم ، ثم سلموا وذهبوا ، فقاموا مقام أولئك ، ورجع أولئك فصلوا لأنفسهم ركعة ثم سلم . وبهذا أخذ أبو حنيفة . وقد روى أبو داود وغيره وجوها أخر في صلاة الخوف بحيث يبلغ مجموعها ستة عشر وجها . وذكر ابن القصار المالكي أن النبي - صلى الله عليه وسلم - صلاها في عشرة مواطن . والمختار أن هذه الأوجه كلها جائزة بحسب مواطنها . وفيها تفصيل وتفريع مشهور في كتب الفقه . قال الخطابي : صلاة الخوف أنواع صلاها النبي - صلى الله عليه وسلم - في أيام مختلفة وأشكال متباينة يتحرى في كلها ما هو أحوط للصلاة وأبلغ في الحراسة ، فهي على اختلاف صورها متفقة المعنى ، ثم مذهب العلماء كافة أن صلاة الخوف مشروعة اليوم كما كانت إلا أبا يوسف والمزني فقالا : لا تشرع بعد النبي - صلى الله عليه وسلم - لقول الله تعالى : وإذا كنت فيهم فأقمت لهم الصلاة واحتج الجمهور بأن الصحابة لم يزالوا على فعلها بعد النبي - صلى الله عليه وسلم - وليس المراد بالآية تخصيصه - صلى الله عليه وسلم - ، وقد ثبت قوله - صلى الله عليه وسلم : [ ص: 443 ] ( صلوا كما رأيتموني أصلي ) .




                                                                                                                الخدمات العلمية