الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
فصل

قال صاحب " المنازل " :

الرعاية صون بالعناية . وهي على ثلاث درجات درجات الرعاية . الدرجة الأولى : رعاية الأعمال . والثانية : رعاية الأحوال . والثالثة : رعاية الأوقات .

[ ص: 62 ] فأما رعاية الأعمال فتوفيرها بتحقيرها . والقيام بها من غير نظر إليها . وإجراؤها على مجرى العلم ، لا على التزين بها .

أما قوله : صون بالعناية أي حفظ بالاعتناء ، والقيام بحق الشيء الذي يرعاه . ومنه راعي الغنم .

وقوله : أما رعاية الأعمال : فتوفيرها بتحقيرها . فالتوفير : سلامة من طرفي التفريط بالنقص ، والإفراط بالزيادة على الوجه المشروع في حدودها وصفاتها وشروطها وأوقاتها .

وأما تحقيرها فاستصغارها في عينه . واستقلالها ، وأن ما يليق بعظمة الله وجلاله وحقوق عبوديته أمر آخر . وأنه لم يوفه حقه . وأنه لا يرضى لربه بعمله ، ولا بشيء منه .

وقد قيل : علامة رضا الله عن الإنسان عنك إعراضك عن نفسك . وعلامة قبول عملك علامة قبول العمل احتقاره واستقلاله ، وصغره في قلبك . حتى إن العارف ليستغفر الله عقيب طاعته . وقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا سلم من الصلاة استغفر الله ثلاثا .

وأمر الله عباده بالاستغفار عقيب الحج . ومدحهم على الاستغفار عقيب قيام الليل . وشرع النبي صلى الله عليه وسلم عقيب الطهور التوبة والاستغفار .

فمن شهد واجب ربه ومقدار عمله ، وعيب نفسه لم يجد بدا من استغفار ربه منه ، واحتقاره إياه واستصغاره .

وأما القيام بها فهو توفيتها حقها ، وجعلها قائمة كالشهادة القائمة ، والصلاة القائمة ، والشجرة القائمة على ساقها التي ليست بساقطة .

وقوله : من غير نظر إليها ؛ أي من غير أن يلتفت إليها ويعددها ويذكرها مخافة العجب والمنة بها . فيسقط من عين الله . ويحبط عمله .

وقوله : وإجراؤها على مجرى العلم هو أن يكون العمل على مقتضى العلم المأخوذ [ ص: 63 ] من مشكاة النبوة ، إخلاصا لله . وإرادة لوجهه . وطلبا لمرضاته ، لا على وجه التزين بها عند الناس .

التالي السابق


الخدمات العلمية