الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                          صفحة جزء
                                                          [ خنا ]

                                                          خنا : الخنا : من قبيح الكلام . خنا في منطقه يخنو خنا ، مقصور . والخنا : الفحش . وفي التهذيب : الخنا من الكلام أفحشه . وخنا في كلامه وأخنى : أفحش ، وفي منطقه إخناء ؛ قالت بنت أبي مسافع القرشي وكان قتله النبي - صلى الله عليه وسلم :


                                                          وما ليث غريف ذو أظافير وأقدام     كحبي إذ تلاقوا و
                                                          وجوه القوم أقران     وأنت الطاعن النجلا
                                                          ء منها مزبد آن     وفي الكف حسام صا
                                                          رم أبيض خذام     وقد ترحل بالركب
                                                          فما تخني لصحبان



                                                          ابن سيده : هكذا رواها الأخفش كلها مقيدة ، ورواها أبو عمرو مطلقة . قال ابن جني : إذا قيدت ففيها عيب واحد وهو الإكفاء بالنون والميم ، وإذا أطلقت ففيها عيبان الإكفاء والإقواء ، قال : وعندي أن ابن جني قد وهم في قوله رواها أبو الحسن الأخفش مقيدة لأن الشعر من الهزج ، وليس في الهزج مفاعيل بالإسكان ولا فعولان ، فإن كان الأخفش قد أنشده هكذا فهو عندي على إنشاد من أنشد :


                                                          أقلي اللوم عاذل والعتاب



                                                          بسكون الباء ، وهذا لا يعتد به ضربا لأن فعول مسكنة ليست من ضروب الوافر ، فكذلك مفاعيل أو فعولان ليست من ضروب الهزج ، وإذا كان كذلك فالرواية كما رواه أبو عمرو ، وإن كان في الشعر حينئذ عيبان من الإقواء والإكفاء إذ احتمال عيبين وثلاثة وأكثر من ذلك أمثل من كسر البيت ، وإن كنت أيها الناظر في هذا الكتاب من أهل العروض فعلم هذا عليك من اللازم المفروض .

                                                          وكلام خن وكلمة خنية ، وليس خن على الفعل ، لأنا لا نعلم خنيت الكلمة ، ولكنه على النسب كما حكاه سيبويه من قولهم رجل طعم ونهر ، ونظيره كاس إلا أنه على زنة فاعل ، قال سيبويه : أي ذو طعام وكسوة وسير بالنهار ؛ وأنشد :


                                                          لست بليلي ولكني نهر



                                                          وقول القطامي :


                                                          دعوا النمر لا تثنوا عليها خناية     فقد أحسنت في جل ما بيننا النمر



                                                          [ ص: 173 ] بنى من الخنا فعالة . وقد خني عليه ، بالكسر ، وأخنى عليه في منطقه : أفحش ؛ قال أبو ذؤيب :


                                                          ولا تخنوا علي ولا تشطوا     بقول الفخر إن الفخر حوب



                                                          وفي الحديث : أخنى الأسماء عند الله رجل تسمى ملك الأملاك . الخنا : الفحش في القول ، ويجوز أن يكون من أخنى عليه الدهر إذا مال عليه وأهلكه . وفي الحديث : من لم يدع الخنا والكذب فلا حاجة لله في أن يدع طعامه وشرابه . وفي حديث أبي عبيدة : فقال رجل من جهينة والله ما كان سعد ليخني بابنه في شقة من تمر ، أي يسلمه ويخفر ذمته ، وهو من أخنى عليه الدهر . وخنى الدهر : آفاته ؛ قال لبيد :


                                                          قلت هجدنا فقد طال السرى     وقدرنا إن خنى الدهر غفل



                                                          وأخنى عليه الدهر : طال . وأخنى عليهم الدهر : أهلكهم وأتى عليهم ؛ قال النابغة :


                                                          أمست خلاء وأمسى أهلها احتملوا     أخنى عليها الذي أخنى على لبد



                                                          وأخنى : أفسد . وأخنيت عليه : أفسدت . والخنوة : الغدرة . والخنوة أيضا : الفرجة في الخص . وأخنى الجراد : كثر بيضه ؛ عن أبي حنيفة . وأخنى المرعى : كثر نباته والتف ؛ وروي بيت زهير :


                                                          أصك مصلم الأذنين أخنى     له بالسي تنوم وآء



                                                          والأعرف الأكثر أجنى . قال ابن سيده : وإنما قضينا أن ألفه ياء لأن اللام ياء أكثر منها واوا ، والله أعلم .

                                                          التالي السابق


                                                          الخدمات العلمية