الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                          صفحة جزء
                                                          [ خون ]

                                                          خون : المخانة : خون النصح وخون الود ، والخون على محن شتى . وفي الحديث : المؤمن يطبع على كل خلق إلا الخيانة والكذب . ابن سيده : الخون أن يؤتمن الإنسان فلا ينصح ، خانه يخونه خونا وخيانة وخانة ومخانة ؛ وفي حديث عائشة - رضي الله عنها - وقد تمثلت ببيت لبيد بن ربيعة :


                                                          يتحدثون مخانة وملاذة ويعاب قائلهم وإن لم يشغب



                                                          المخانة : مصدر من الخيانة ، والميم زائدة ، وقد ذكره أبو موسى في الجيم من المجون ، فتكون الميم أصلية ، وخانه واختانه . وفي التنزيل العزيز : علم الله أنكم كنتم تختانون أنفسكم ؛ أي بعضكم بعضا . ورجل خائن وخائنة أيضا ، والهاء للمبالغة ، مثل علامة ونسابة ؛ وأنشد أبو عبيد للكلابي يخاطب قرينا أخا عمير الحنفي ، وكان له عنده دم :


                                                          أقرين إنك لو رأيت فوارسي نعما     يبتن إلى جوانب صلقع
                                                          حدثت نفسك بالوفاء ولم تكن     للغدر خائنة مغل الإصبع



                                                          وخئون وخوان ، والجمع خانة وخونة ؛ الأخيرة شاذة ؛ قال ابن سيده : ولم يأت شيء من هذا في الياء ، أعني لم يجئ مثل سائر وسيرة ، قال : وإنما شذ من هذا ما عينه واو لا ياء . وقوم خونة كما قالوا حوكة ، وقد تقدم ذكر وجه ثبوت الواو ، وخوان ، وقد خانه العهد والأمانة ؛ قال :


                                                          فقال مجيبا والذي حج حاتم     أخونك عهدا إنني غير خوان



                                                          وخون الرجل : نسبه إلى الخون . وفي الحديث : نهى أن يطرق الرجل أهله ليلا لئلا يتخونهم ؛ أي يطلب خيانتهم وعثراتهم ويتهمهم . وخانه سيفه : نبا ، كقوله : السيف أخوك وربما خانك . وخانه الدهر : غير حاله من اللين إلى الشدة ؛ قال الأعشى :


                                                          وخان الزمان أبا مالك     وأي امرئ لم يخنه الزمن



                                                          وكذلك تخونه . التهذيب : خانه الدهر والنعيم خونا ، وهو تغير حاله إلى شر منها ، وإذا نبا سيفك عن الضريبة فقد خانك . وسئل بعضهم عن السيف فقال : أخوك وربما خانك . وكل ما غيرك عن حالك فقد تخونك ؛ وأنشد لذي الرمة :


                                                          لا يرفع الطرف إلا ما تخونه     داع يناديه باسم الماء مبغوم



                                                          قال أبو منصور : ليس معنى قوله إلا ما تخونه حجة لما احتج له ، إنما معناه إلا ما تعهده ، قال : كذا روى أبو عبيد عن الأصمعي أنه قال : التخون التعهد ، وإنما وصف ولد ظبية أودعته خمرا ، وهي ترتع بالقرب منه ، وتتعهده بالنظر إليه ، وتؤنسه ببغامها ، وقوله باسم الماء ، الماء حكاية دعائها إياه ، وقال داع يناديه فذكره لأنه ذهب به إلى الصوت والنداء . وتخونه وخونه وخون منه : نقصه . يقال : تخونني فلان حقي إذا تنقصك ؛ قال ذو الرمة :


                                                          لا بل هو الشوق من دار تخونها     مرا سحاب ومرا بارح ترب



                                                          وقال لبيد يصف ناقة :


                                                          عذافرة تقمص بالردافى     ‌تخونها نزولي وارتحالي



                                                          أي تنقص لحمها وشحمها . والردافى : جمع رديف ، قال ومثله لعبدة بن الطبيب :


                                                          عن قانئ لم تخونه الأحاليل



                                                          وفي قصيد كعب بن زهير :


                                                          لم تخونه الأحاليل



                                                          وخونه وتخونه : تعهده . يقال : الحمى تخونه أي تعهده ؛ وأنشد بيت ذي الرمة :


                                                          لا ينعش الطرف إلا ما تخونه



                                                          يقول : الغزال ناعس لا يرفع طرفه إلا أن تجيء أمه وهي المتعهدة له . ويقال : إلا ما تنقص نومه دعاء أمه له . والخوان : من أسماء الأسد . ويقال : تخونته الدهور وتخوفته أي تنقصته . والتخون له معنيان : أحدهما التنقص ، والآخر التعهد ، ومن جعله تعهدا جعل النون مبدلة من اللام ، يقال : تخونه وتخوله بمعنى واحد . والخون : فترة في النظر ، يقال للأسد خائن العين ، من ذلك ، وبه سمي الأسد خوانا . وخائنة الأعين : ما تسارق من النظر إلى ما لا يحل . وفي التنزيل العزيز : يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور ؛ وقال ثعلب : معناه أن ينظر نظرة بريبة وهو نحو ذلك ، وقيل : أراد يعلم خيانة الأعين ، [ ص: 184 ] فأخرج المصدر على فاعلة كقوله تعالى : لا تسمع فيها لاغية ؛ أي لغوا ، ومثله : سمعت راغية الإبل وثاغية الشاء أي رغاءها وثغاءها ، وكل ذلك من كلام العرب ، ومعنى الآية أن الناظر إذا نظر إلى ما لا يحل له النظر إليه نظر خيانة يسرها مسارقة علمها الله ، لأنه إذا نظر أول نظرة غير متعمد خيانة غير آثم ولا خائن ، فإن أعاد النظر ونيته الخيانة فهو خائن النظر . وفي الحديث : ما كان لنبي أن تكون له خائنة الأعين ؛ أي يضمر في نفسه غير ما يظهره ، فإذا كف لسانه وأومأ بعينه فقد خان ، وإذا كان ظهور تلك الحالة من قبل العين سميت خائنة العين ، وهو من قوله - عز وجل : يعلم خائنة الأعين ؛ أي ما يخونون فيه من مسارقة النظر إلى ما لا يحل . والخائنة : بمعنى الخيانة ، وهي من المصادر التي جاءت على لفظ الفاعلة كالعاقبة . وفي الحديث : أنه رد شهادة الخائن والخائنة ؛ قال أبو عبيد : لا نراه خص به الخيانة في أمانات الناس دون ما افترض الله على عباده وأتمنهم عليه ، فإنه قد سمى ذلك أمانة فقال : ياأيها الذين آمنوا لا تخونوا الله والرسول وتخونوا أماناتكم ؛ فمن ضيع شيئا مما أمر الله به أو ركب شيئا مما نهى عنه فليس ينبغي أن يكون عدلا . والخوان والخوان : الذي يؤكل عليه ، معرب ، والجمع أخونة في القليل ، وفي الكثير خون . قال عدي : لخون مأدوبة وزمير

                                                          قال سيبويه : لم يحركوا الواو كراهة الضمة قبلها والضمة فيها . والإخوان : كالخوان . قال ابن بري : ونظير خوان وخون بوان وبون ، ولا ثالث لهما ، قال : وأما عوان وعون فإنه مفتوح الأول ، وقد قيل بوان ، بضم الباء . وقد ذكر ابن بري في ترجمة بون أن مثلهما إوان وأون ، ولم يذكر هذا القول هاهنا . الليث : الخوان المائدة ، معربة . وفي حديث الدابة : حتى إن أهل الخوان ليجتمعون فيقول هذا يا مؤمن وهذا يا كافر ، وجاء في رواية : الإخوان ، بهمزة ، وهي لغة فيه . وقوله في حديث أبي سعيد : فإذا أنا بأخاوين عليها لحوم منتنة ، هي جمع خوان وهو ما يوضع عليه الطعام عند الأكل ؛ وبالإخوان فسر قول الشاعر :


                                                          ومنحر مئناث تجر حوارها     وموضع إخوان إلى جنب إخوان



                                                          عن أبي عبيد . والخوانة : الاست . والعرب تسمي ربيعا الأول : خوانا وخوانا ؛ أنشد ابن الأعرابي :


                                                          وفي النصف من خوان ود عدونا     بأنه في أمعاء حوت لدى البحر



                                                          قال ابن سيده : وجمعه أخونة ، قال : ولا أدري كيف هذا . وخيوان : بلد باليمن ليس فعلان لأنه ليس في الكلام اسم عينه ياء ولامه واو ، وترك صرفه لأنه اسم للبقعة ؛ قال ابن سيده : هذا تعليل الفارسي ، فأما رجاء بن حيوة فقد يكون مقلوبا عن حية فيمن جعل حية من ( ح و ي ) ، وهو رأي أبي حاتم ، ويعضده رجل حواء وحاو للذي عمله جمع الحيات ، وكذلك يعضده أرض محواة ، فأما محياة في هذا المعنى فمعاقبة إيثارا للياء ، أو مقلوب عن محواة ، فلما نقلت حية إلى العلمية خصت العلمية بإخراجها على الأصل بعد القلب ، وسهل ذلك لهم القلب ، إذ لو أعلوا بعد القلب ، والقلب علة ، لتوالى الإعلالان . وقد قيل عن الفارسي : إن حية من ( ح ي ي ) ، وإن حواء من باب لأآء ، وقد يكون حيوة فيعلة من حوى يحوي حيوية ، ثم قلبت الواو ياء للكسرة فاجتمعت ثلاث ياءات ، ومثله حييية فحذفت الياء الأخيرة فبقي حية ، ثم أخرجت على الأصل فقيل حيوة ، فإذا كان حيوة متوجها على هذين القولين . فقد تأدى ضمان الفارسي أنه ليس في الكلام شيء عينه ياء ولامه واو البتة . والخان : الحانوت أو صاحب الحانوت ، فارسي معرب ، وقيل : الخان الذي للتجار .

                                                          التالي السابق


                                                          الخدمات العلمية