الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
سورة هود .

بسم الله الرحمن الرحيم

إن جعلت ( هودا ) اسما للسورة لم تصرفه للتعريف والتأنيث ، ويجوز صرفه لسكون أوسطه عند قوم ، وعند آخرين لا يجوز صرفه بحال ; لأنه من تسمية المؤنث بالمذكر ، وإن جعلته للنبي عليه السلام صرفته .

قال تعالى : ( الر كتاب أحكمت آياته ثم فصلت من لدن حكيم خبير ( 1 ) ) .

قوله تعالى : ( كتاب ) : أي هذا كتاب ; ويجوز أن يكون خبر " الر " أي " الر " وأشباهها كتاب .

( ثم فصلت ) : الجمهور على الضم والتشديد .

ويقرأ بالفتح والتخفيف وتسمية الفاعل ; والمعنى : ثم فرقت ، كقوله : ( فلما فصل طالوت ) : [ البقرة : 249 ] أي فارق .

( من لدن ) : يجوز أن يكون صفة ; أي كائن من لدن ; ويجوز أن يكون مفعولا ، والعامل فيه فصلت .

وبنيت " لدن " وإن أضيفت ; لأن علة بنائها خروجها عن نظيرها ; لأن لدن بمعنى عند ، ولكن هي مخصوصة بملاصقة الشيء وشدة مقاربته ، و " عند " ليست كذلك ، بل هي للقريب وما بعد عنه ، وبمعنى الملك .

قال تعالى : ( ألا تعبدوا إلا الله إنني لكم منه نذير وبشير ( 2 ) ) .

قوله تعالى : ( أن لا تعبدوا ) : في " أن " ثلاثة أوجه : أحدها : هي مخففة من الثقيلة . [ ص: 23 ] والثاني : أنها الناصبة للفعل ; وعلى الوجهين موضعها رفع ، تقديره : هي أن لا تعبدوا ويجوز أن يكون التقدير : بأن لا تعبدوا ، فيكون موضعها جرا أو نصبا على ما حكينا من الخلاف . والوجه الثالث : أن تكون " أن " بمعنى أي ، فلا يكون لها موضع ، " ولا تعبدوا " نهي .

و ( منه ) : أي من الله ، والتقدير : نذير كائن منه ، فلما قدمه صار حالا .

ويجوز أن يتعلق بنذير ، ويكون التقدير : إنني لكم نذير من أجل عذابه .

قال تعالى : ( وأن استغفروا ربكم ثم توبوا إليه يمتعكم متاعا حسنا إلى أجل مسمى ويؤت كل ذي فضل فضله وإن تولوا فإني أخاف عليكم عذاب يوم كبير ( 3 ) ) .

قوله تعالى : ( وأن استغفروا ) : " أن " معطوفة على " أن " الأولى ، وهي مثلها فيما ذكر .

( وإن تولوا ) : أي يتولوا .

قال تعالى : ( ألا إنهم يثنون صدورهم ليستخفوا منه ألا حين يستغشون ثيابهم يعلم ما يسرون وما يعلنون إنه عليم بذات الصدور ( 5 ) ) .

قوله تعالى : ( يثنون ) : الجمهور على فتح الياء وضم النون ، وماضيه ثنى .

ويقرأ كذلك إلا أنه بضم الياء وماضيه أثنى ، ولا يعرف في اللغة إلا أن يقال : معناه عرضوها للإثناء ، كما تقول : أبعت الفرس إذا عرضته للبيع .

ويقرأ بالياء مفتوحة وسكون الثاء ونون مفتوحة وبعدها همزة مضمومة بعدها نون مفتوحة مشددة مثل يقرءون ; وهو من ثنيت ، إلا أنه قلب الياء واوا لانضمامها ، ثم همزها لانضمامها .

ويقرأ يثنوني مثل يعشوشب ، وهو يفعوعل ، من ثنيت ، والصدور فاعل .

ويقرأ كذلك إلا أنه بحذف الياء الأخيرة تخفيفا لطول الكلمة .

ويقرأ بفتح الياء والنون وهمزة مكسورة بعدها نون مرفوعة مشددة ، وأصل الكلمة يفعوعل من الثني ، إلا أنه أبدل الواو المكسورة همزة ، كما أبدلت في وسادة ، فقالوا إسادة ، وقيل : أصلها يفعال مثل يحمار ، فأبدلت الألف همزة ; كما قالوا : ابياض . [ ص: 24 ] ( ألا حين ) : العامل في الظرف محذوف ; أي ألا حين يستغشون ثيابهم يستخفون . ويجوز أن يكون ظرفا لـ " يعلم " .

التالي السابق


الخدمات العلمية