الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجا يتربصن بأنفسهن أربعة أشهر وعشرا فإذا بلغن أجلهن فلا جناح عليكم فيما فعلن في أنفسهن بالمعروف والله بما تعملون خبير .

                                                                                                                                                                                                                                      قوله تعالى: والذين يتوفون منكم أي: يقبضون بالموت . وقرأ المفضل عن عاصم "يتوفون" بفتح الياء في الموضعين . قال ابن قتيبة: هو من استيفاء العدد ، واستيفاء الشيء: أن نستقصيه كله ، يقال: توفيته واستوفيته ، كما يقال: تيقنت الخير واستيقنته ، هذا الأصل ، ثم قيل للموت: وفاة وتوف (ويتربصن) ينتظرن وقال الفراء: وإنما قال: (وعشرا) ولم يقل: عشرة ، لأن العرب إذا أبهمت العدد من الليالي والأيام ، غلبوا عليه الليالي ، حتى أنهم ليقولون: صمنا عشرا من شهر رمضان ، لكثرة تغليبهم الليالي على الأيام ، فإذا أظهروا مع العدد تفسيره ، كانت الإناث بغير هاء ، والذكور بالهاء كقوله تعالى: سخرها عليهم سبع ليال [ ص: 275 ] وثمانية أيام حسوما [ الحاقة: 7 ] . فإن قيل: ما وجه الحكمة في زيادة هذه العشرة؟ فالجواب: أنه يبين صحة الحمل بنفخ الروح فيه ، قاله سعيد بن المسيب ، وأبو العالية ، ويشهد له الحديث الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم ، "إن خلق أحدكم يجمع في بطن أمه أربعين يوما [نطفة ] ، ثم يكون علقة مثل ذلك ، ثم يكون مضغة مثل ذلك ، ثم يرسل إليه الملك ، فينفخ فيه الروح" .

                                                                                                                                                                                                                                      فصل

                                                                                                                                                                                                                                      وهذه الآية ناسخة للتي تشابهها ، وهي تأتي بعد آيات ، وهي قوله: والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجا وصية لأزواجهم متاعا إلى الحول [ البقرة: 240 ] . لأن تلك كانت تقتضي وجوب العدة سنة ، وسنذكر ما يتعلق بها هنالك ، إن شاء الله . فأما التي نحن في تفسيرها: فقد روي عن ابن عباس أنه قال: نسختها وأولات الأحمال أجلهن أن يضعن حملهن [ الطلاق: 4 ] . والصحيح: أنها عامة دخلها التخصيص ، لأن ظاهرها يقتضي وجوب العدة على المتوفى عنها زوجها أربعة أشهر وعشرا ، سواء كانت حاملا ، أو غير حامل ، غير أن قوله تعالى: وأولات الأحمال أجلهن أن يضعن حملهن خص أولات الحمل ، وهي خاصة أيضا في الحرائر ، فإن الأمة عدتها شهران وخمسة أيام ، فبان أنها من العام الذي دخله التخصيص .

                                                                                                                                                                                                                                      قوله تعالى: فإذا بلغن أجلهن يعني: انقضاء العدة .

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية