الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
صفحة جزء
22 - باب الفتح والإمالة وبين اللفظين


1 - وحمزة منهم والكسائي بعده أمالا ذوات الياء حيث تأصلا      2 - وتثنية الأسماء تكشفها وإن
رددت إليك الفعل صادفت منهلا      3 - هدى واشتراه والهوى وهداهم
وفي ألف التأنيث في الكل ميلا      4 - وكيف جرت فعلى ففيها وجودها
وإن ضم أو يفتح فعالى فحصلا



[ ص: 140 ] المراد بالفتح في هذا الباب: فتح القارئ فمه بالحرف لا فتح الحرف الذي هو الألف، إذ الألف لا يقبل الحركة. ويقال له التفخيم أيضا، والإمالة لغة: التعويج، يقال: أملت الرمح ونحوه إذا عوجته عن استقامته. وتنقسم في اصطلاح القراء قسمين: كبرى، وصغرى.

فالكبرى: أن تقرب الفتحة من الكسرة والألف من الياء من غير قلب خالص، ولا إشباع مفرط، وهي الإمالة المحضة، وتسمى الإضجاع، وإذا أطلقت الإمالة انصرفت إليها. والصغرى: هي ما بين الفتح والإمالة الكبرى، وتسمى التقليل وبين بين: أي بين لفظي الفتح والإمالة الكبرى.

وقد ذكر الناظم رضي الله عنه أن حمزة والكسائي أمالا الألفات ذوات الياء وهي كل ألف متطرفة أصلية منقلبة عن ياء تحقيقا، أي أصلها الياء، فأميلت لتدل على أصلها سواء وقعت في فعل نحو: هدى، اشترى، سعى، أتى، أبى، رمى، استعلى، يخشى، يتوارى. أم وقعت في اسم نحو: الهوى، المأوى، الهدى، مولى.

وسواء رسمت في المصاحف بالياء كالأمثلة السابقة من الأفعال والأسماء. أم رسمت فيها الألف نحو: عصاني فإنك ، ومن عصاني بإبراهيم، الأقصا في إلى المسجد الأقصى في الإسراء. {تولاه} في كتب عليه أنه من تولاه في الحج. {أقصا} في وجاء من أقصى المدينة رجل يسعى بالقصص، وجاء من أقصى المدينة رجل يسعى في يس.

سيما في سيماهم في وجوههم في الفتح، (طغا) في " إنا لما طغا الماء " في الحاقة، {الدنيا} {العليا}، واحترزنا بالأصلية عن الزائدة نحو: قائم، نائم. وبالمتطرفة عن المتوسطة نحو: {ونمارق}، (باع)، {وسار}. وبالمنقلبة عن ياء عن المنقلبة عن واو نحو: {نجا}، {عفا}، {الصفا}، {شفا} . والمنقلبة عن تنوين نحو: {ذكرا}، {عوجا}، {أمتا}. عند الوقف عليها. واحترزنا بها أيضا عن ألف التثنية كألف إلا أن يخافا ، وألف اثنا عشر شهرا . واحترزنا بقولنا تحقيقا عما اختلف في أصله نحو: {الحياة}، {ومناة}، لأن الخلاف وقع في أصل ألفها، فوقع الشك في سبب الإمالة فتركت، وعدل إلى الأصل، وهو الفتح ولرسم ألفهما واوا في المصاحف، فلا إمالة في كل ما احترز عنه. وقول الناظم: (وتثنية الأسماء تكشفها) أي تكشف لك ذوات الياء منها من ذوات الواو، أي تكشف لك أصلها، وقد اشتمل على ضابط تستطيع بواسطته أن تعرف أصل الألف المتطرفة، وتميز بين ما أصله الياء من هذه الألفات [ ص: 141 ] وما أصله الواو منها وهو أن تثني الاسم الذي فيه الألف. وتنسب الفعل الذي فيه الألف إلى نفسك أو مخاطبك، فإن ظهرت الألف في التثنية ياء أو في الفعل ياء، عرفت أن أصل الألف الياء، فتميل الألف حينئذ، وإن ظهرت الواو فيهما عرفت أن أصل الألف فيهما الواو فلا تميلها. تقول في تثنية اليائي من هذه الأسماء: الهوى، الهدى، الفتى، المولى، المأوى، الهويان، الهديان، الفتيان، الموليان، المأويان. وتقول في تثنية الواوي من الأسماء وهي محصورة في هذه الأسماء: عصاه، شفا، سنا، إن الصفا، أبا أحد. عصوان، شفوان، سنوان، صفوان، أبوان. وتقول في نسبة الفعل اليائي لنفسك أو لغيرك من هذه الأفعال: هدى، اشترى، رمى، سعى، سقى، أتى، أبى: هديت، اشتريت، رميت، سعيت، سقيت، أتيت، أبيت، بضم التاء أو فتحها في الجميع. وتقول في الواوي مثل: عفا، زكى، نجا، خلا، دعا، دنا، بدا، علا: عفوت، زكوت، نجوت، خلوت، دعوت، علوت، دنوت، بدوت، بضم التاء أو فتحها في الكل. ويدل أيضا على أن أصل هذه الألف في الأفعال المذكورة الواو لفظ المضارع تقول: يعفو، يزكو، ينجو، يخلو، يدعو، يعلو، يدنو، يبدو.

ويدل الاشتقاق أيضا على أصل الألف في الأسماء والأفعال، فالمصدر يدل على ذلك فتقول:

الرمي، السعي، السقي، العفو، الدنو، الخلو. ثم ذكر الناظم أن حمزة والكسائي ميلا كل ألفات التأنيث. ثم بين مواضع ألفات التأنيث فقال: (وكيف جرت فعلى ففيها وجودها).

المعنى: أن ألفات التأنيث تتحقق في كل ما كان على وزن فعلى كيف جرت، أي سواء كانت مضمومة الفاء نحو: القصوى، الدنيا، الأنثى، طوبى، القربى، البشرى، الأخرى، السوأى، الكبرى. أم كانت مفتوحتها نحو: الموتى، والسلوى، التقوى، النجوى، دعوا، مرضى، شتى، أسرى، سكارى، أم مكسورتها نحو: إحدى، ضيزى، سيماهم، الشعرى، الذكرى، وألحق بهذا الباب: موسى، يحيى، عيسى، لأنها وإن كانت أعجمية إلا أنه لما فشا استعمالها وكثر دورها في اللسان العربي ألحقت بمثيلاتها في لغة العرب على أنها مرسومة في المصاحف بالياء، فتمال لهذا أيضا، وقوله: (وإن ضم أو يفتح فعالى) معناه: أن ألف التأنيث تتحقق أيضا في كل ما كان على وزن فعالى مضموم الفاء نحو: سكارى، كسالى، فرادى، أسارى. أو مفتوح الفاء نحو: اليتامى، الأيامى، النصارى، الحوايا، [ ص: 142 ] فيكون لألف التأنيث خمسة أوزان: ثلاثة لفعلى واثنان لفعالى، وفاء (فحصلا) ليست رمزا لحمزة لعدم اختصاص حمزة به. فقوله: (وفي ألف التأنيث في الكل ميلا). و(المنهل) المورد أي وجدت مطلوبك، شبه الطالب بالظمآن الذي يجد منهل الماء، وقوله (منهم) أي من القراء. وقوله (بعده) أي أن الكسائي بعده حمزة، لأنه أخذ عنه.


5 - وفي اسم في الاستفهام أنى وفي متى     معا وعسى أيضا أمالا وقل بلى
6 - وما رسموا بالياء غير لدى وما     زكى وإلى من بعد حتى وقل على
7 - وكل ثلاثي يزيد فإنه     ممال كزكاها وأنجى مع ابتلى



أمال أيضا حمزة والكسائي كل اسم مستعمل في الاستفهام وهو لفظ أنى، حيث وقع في القرآن الكريم، سواء اقترن بالفاء نحو: فأنى تؤفكون . أم تجرد منها نحو: أنى لك هذا ولفظ متى، حيث وقع في القرآن نحو: متى هذا الوعد . وإنما أميل هذا اللفظ لأنه لو سمى به وثنى لقيل متيان، ولفظ عسى، إذ لو نسبت إلى نفسك لقلت: عسيت، وإفراده بالذكر مع اندراجه في ذوات الياء متابعة للإمام الداني في التيسير، أو للفرق بينه وبين الأفعال الأخرى نحو: أتى، أبى، هدى، لأنه غير متصرف، أو للرد على من قال إن هذا اللفظ حرف. ويظهر لي والله أعلم أن السبب في إمالة أنى، متى، بلى : رسمها بالياء في المصاحف، لأن الألف في الجميع مجهولة الأصل. ومثال عسى، عسى ربكم أن يرحمكم ومثال بلى بلى من أسلم وجهه لله وأمال حمزة والكسائي أيضا جميع الألفات المتطرفة المجهول أصلها، أو المنقلبة عن واو، ورسمت في المصاحف بالياء.

فالمراد بالمرسوم بالياء في المصاحف خصوص الألفات المجهولة الأصل أو المنقلبة عن واو، وليس المراد ما يشمل الألفات المنقلبة عن ياء التي رسمت ياء في المصاحف، فإن هذه الألفات سبق حكمها أول الباب. فمن الألفات المجهولة الأصل المرسومة ياء في المصاحف:

ألف أنى التي للاستفهام، وألف متى، وألف بلى.

ومن الألفات المنقلبة عن واو ورسمت ياء في المصاحف: ألف القوى، والضحى، سجى، ضحى، ضحاها، دحاها، تلاها، طحاها، ثم استثنى الناظم خمس كلمات فلا تمال ألفها مع كونها [ ص: 143 ] مرسومة ياء في المصاحف وهي: لدى الحناجر في غافر، وهذه الكلمة اسم وقد رسمت بالياء في أكثر المصاحف، ورسمت في بعضها بالألف. ولم يعلم أصل هذه الألف فامتنعت إمالتها. وأما لدى الباب في يوسف فمرسوم ألفا في جميع المصاحف، وزكى، وهو فعل، وذلك في قوله تعالى: ما زكا منكم من أحد أبدا في سورة النور، فهو مرسوم بالياء في المصاحف، ولكنه لا يمال لأن ألفه منقلبة عن واو لأنه يقال: زكا يزكو زكوت.

فمنعت الألف من الإمالة إشارة إلى أن أصلها الواو. وأما الكلمات الثلاثة الباقية فهي حروف وهي:

حتى، إلى، على، فلا تمال ألفها، لأن الحروف جامدة، وألفها مجهولة الأصل، فلا موجب لإمالتها.

ثم بين الناظم أن كل ألف وقعت ثالثة في الكلمة ولاما لها، وهي منقلبة عن واو فزادت الكلمة على ثلاثة أحرف، فإن ألفها بسبب هذه الزيادة تكون منقلبة عن ياء، فتدخلها الإمالة، والزيادة تكون بتضعيف الفعل نحو: زكى، نجى، بتشديد الكاف والجيم، وبحروف المضارعة نحو: يرضى، تتلى، يدعى. وبالحروف الزائدة الدالة على التعدية أو غيرهما، نحو: أنجي، اعتدى، استغنى، استعلى، فتعالى، ابتلى، وقد يجتمع في الكلمة حرف المضارعة والتضعيف نحو: يزكى، وقد يجتمع فيها الحرف الزائد والتضعيف نحو: تزكى، تجلى، وقد يجتمع فيها حرف المضارعة والحرف الزائد والتضعيف نحو: يتزكى.

والدليل على أن هذه الألف منقلبة عن ياء فيما ذكر أنه يقال: زكيت نجيت. هما يرضيان ويدعيان، والآيتان تتليان. ويقال: أنجينا، اعتدينا، استغنيت، استعليت، ابتليت، تعاليت. وهما: يزكيان، وتزكيا، ويتزكيان. فتظهر الياء عند إسناد الفعل إلى ألف الاثنين، أو نون المتكلم، أو تاء الفاعل، فحينئذ يصير الفعل يائيا، فتمال ألفه، ومن ذلك:

أفعل في الأسماء نحو: أزكى، أدنى، أربى، أعلى، الأدنى، الأعلى، لأن لفظ الماضي في ذلك كله تظهر فيه الياء إذا أسندت الفعل إلى تاء الضمير. فتقول: أدنيت، أزكيت، أربيت، أعليت. قال العلامة أبو شامة: فقد بان أن الثلاثي المزيد يكون اسما نحو: أدنى، ويكون فعلا ماضيا نحو: أنجى، ويكون فعلا مضارعا مبنيا للفاعل نحو: يرضى، وللمفعول نحو: يدعى، انتهى.

قال ابن القاصح: والناظم: لم يمثل للفعل المضارع ولا للاسم. فإن قيل: [ ص: 144 ] من أين تأخذ العموم في الفعل المضارع والاسم؟ قيل: من قوله: (وكل ثلاثي يزيد فإنه ممال)، فإنه يشمل الماضي والمضارع والاسم، فإن تمثيله بالماضي فقط يقتضي اختصاص الحكم به! قيل: الأصل العمل بالعموم، انتهى.

ونستطيع أن نستخلص مما ذكر أن الألف تمال: إما لانقلابها عن الياء، وإن لم ترسم ياء في المصاحف، ويعرف ذلك بوقوع الياء مكانها في أي تصريف من تصاريف الكلمة. وإما لكونها دالة على التأنيث، وذلك في فعلى مثلث الفاء، وفعالى بضم الفاء وفتحها، وإن لم يرسم ياء في المصاحف مثل: الحوايا، وإما برسمها ياء في المصاحف. وإن كانت مجهولة الأصل أو منقلبة عن واو.


8 - ولكن أحيا عنهما بعد واوه     وفيما سواه للكسائي ميلا
9 - ورؤياي والرؤيا ومرضاة كيفما     أتى وخطايا مثله متقبلا
10 - ومحياهم أيضا وحق تقاته     وفي قد هداني ليس أمرك مشكلا
11 - وفي الكهف أنساني ومن قبل جاء من     عصاني وأوصاني بمريم يجتلا
12 - وفيها وفي طس آتاني الذي     أذعت به حتى تضوع مندلا
13 - وحرف تلاها مع طحاها وفي سجى     وحرف دحاها وهي بالواو تبتلا



الضمير في (عنهما) يعود على حمزة والكسائي:

المعنى: أن حمزة والكسائي أمالا الألف في لفظ أحيا، إذا كان مقترنا بالواو، وذلك في: وأنه هو أمات وأحيا في النجم. فإذا اقترن بالفاء نحو: فأحياكم ، فأحيا به الأرض . أو اقترن بثم نحو: ثم أحياهم ، أو تجرد من الواو والفاء وثم، نحو: وهو الذي أحياكم ، ومن أحياها ، إن الذي أحياها . فإنه يمال للكسائي وحده.

ثم استطرد الناظم بذكر ما انفرد الكسائي بإمالته، فذكر أنه انفرد بإمالة الألفاظ الآتية:

الأول: رءياي، المضاف لياء المتكلم، وهو في موضعين بيوسف، رؤياي إن كنتم [ ص: 145 ] هذا تأويل رؤياي من قبل .

الثاني: الرؤيا، المعروف وهو في يوسف للرؤيا تعبرون ، والصافات قد صدقت الرؤيا ، والفتح لقد صدق الله رسوله الرؤيا ، والإسراء وما جعلنا الرؤيا عند الوقف عليه.

والثالث: مرضاة، كيف جاء في القرآن، سواء كان منصوبا نحو تبتغي مرضات أزواجك أم مجرورا نحو ابتغاء مرضات الله .

الرابع: خطايا، كيف وقع سواء كان بعده كاف الخطاب نحو نغفر لكم خطاياكم أم ضمير الغيبة نحو من خطاياهم أم نون التكلم نحو ليغفر لنا خطايانا والإمالة في الألف التي بعد الياء.

الخامس: محياهم، في محياهم ومماتهم في الجاثية.

السادس: حق تقاته في آل عمران، وأما إلا أن تتقوا منهم تقاة فهو ممال لحمزة والكسائي.

السابع: وقد هداني في الأنعام، وقيده بقد احترازا عن المجرد منها، وهو قل إنني هداني ربي آخر الأنعام، لو أن الله هداني بالرمز، فإنه ممال لحمزة والكسائي.

الثامن: وما أنسانيه إلا الشيطان في الكهف.

التاسع: ومن عصاني بإبراهيم.

العاشر: وأوصاني بمريم.

الحادي عشر: آتاني الكتاب بمريم.

الثاني عشر: آتاني الله في النمل.

الثالث عشر والرابع عشر: تلاها، طحاها، في والشمس.

الخامس عشر: سجى، في إذا سجى في والضحى.

السادس عشر: دحاها في سورة والنازعات.


14 - وأما ضحاها والضحى والربا مع ال     قوى فأمالاها وبالواو تختلى
15 - ورؤياك مع مثواي عنه لحفصهم     ومحياي مشكاة هداي قد انجلى



أمال حمزة والكسائي معا هذه الألفاظ الأربعة وهي: وضحاها في والشمس وضحاها ، والضحى والليل والربا، كيف وقع في القرآن الكريم. والقوى، في علمه شديد القوى في والنجم. ونبه بقوله: (وبالواو تختلى) على أن هذه الألفاظ أميلت لهما، مع أن أصل ألفها الواو للتناسق بين الآي. ثم ذكر الكلمات التي اختص حفص الدوري عن الكسائي بإمالتها، وهي: رؤيا المضاف للكاف في رؤياك على إخوتك في يوسف، مثواي في أحسن مثواي في يوسف. وأما مثواكم، مثواهم، مثواه، فمتفق على إمالته لحمزة والكسائي، ومحياي في ومحياي ومماتي لله بالأنعام. كمشكاة فيها مصباح بالنور. هداي في فمن اتبع هداي في البقرة، فمن اتبع هداي في طه.

[ ص: 146 ]

16 - ومما أمالاه أواخر آي ما     بطه وآي النجم كي تتعدلا
17 - وفي الشمس والأعلى وفي الليل والضحى     وفي اقرأ وفي والنازعات تميلا
18 - ومن تحتها ثم القيامة ثم في ال     معارج يا منهال أفلحت منهلا



مما اتفق على إمالته حمزة والكسائي رءوس آي السور الإحدى عشرة وهي: طه، النجم، الشمس، الأعلى، الليل، الضحى، العلق، النازعات، عبس، القيامة، المعارج.

والمراد: إمالة الألفات الواقعة في أواخر الآيات في السور المذكورة، سواء كانت هذه الألفات في الأسماء أم في الأفعال، وسواء كان أصلها الياء أم الواو، ويستثنى من ذلك: الألف المبدلة من التنوين عند الوقف في بعض هذه الآي نحو: همسا، ضنكا، نسفا، علما، ظلما، عزما، ونبه بقوله: (كي تتعدلا) على حكمة إمالة أواخر هذه الآيات أي: كي تتعدل الآيات وتكون على سنن واحد حيث أميل فيها ما أصله الياء، وما أصله الواو. و(المنهال) هو المعطي العطاء الكثير. والمراد به العالم كثير النفع بعلمه.


19 - رمى صحبة أعمى في الاسراء ثانيا     سوى وسدى في الوقف عنهم تسبلا
20 - وراء تراءى فاز في شعرائه     وأعمى في الاسرا حكم صحبة اولا
21 - وما بعد راء شاع حكما وحفصهم     يوالي بمجراها وفي هود أنزلا



أمال حمزة والكسائي وشعبة ألف رمى، في الأنفال، وألف أعمى، في الموضع الثاني في الإسراء، وهو: فهو في الآخرة أعمى . وألف سوى، في قوله تعالى في سورة طه: مكانا سوى عند الوقف على سوى، وسدى في قوله تعالى: أن يترك سدى في سورة القيامة. في الوقف على سدى. وإمالة حمزة والكسائي هذه الكلمات وفق القواعد المتقدمة، فالجديد ضم شعبة معهم، ولا يقال: كان على الناظم أن يذكر شعبة وحده، لأنا نقول: لو ذكره وحده لفهم أنه مختص بإمالة هذه الكلمات فلا يميلها غيره، ومثل ذلك يقال في قوله الآتي: (وأعمى في الاسرا حكم صحبة اولا). وأمال حمزة وحده راء (تراءى) مع الألف بعدها في سورة الشعراء في الحالين، وعند الوقف على (تراءى) [ ص: 147 ] يميل حمزة والكسائي الهمزة مع الألف التي بعدها.

واحترز بقوله (في شعرائه) عن تراءت الفئتان في الأنفال، فلا إمالة فيها لأحد. وأمال أبو عمرو وشعبة وحمزة والكسائي ألف أعمى، في الموضع الأول في الإسراء، وهو: ومن كان في هذه أعمى فشعبة وحمزة والكسائي يميلون ألف أعمى، في الموضعين، وأبو عمرو يميل في الموضع الأول فقط. ثم أخبر الناظم أن الألفات التي يصح إمالتها بأن كانت منقلبة عن ياء أو مرسومة بالياء في المصاحف أو منصوصا على إمالتها على حسب ما تقدم، إذا وقعت هذه الألفات بعد الراء، فإن أبا عمرو وحمزة والكسائي يميلونها مع إمالة الراء قبلها، سواء كانت في اسم نحو: يا بشرى ، النصارى ، أسرى ، الذكرى ، أو في فعل نحو: اشترى ، قد نرى ، ولو ترى ، ثم ذكر أن حفصا عن عاصم يوافق المميلين في إمالة الألف الواقعة بعد الراء مع إمالة الراء في لفظ مجراها في سورة هود، وليس لحفص إمالة في القرآن إلا في هذا اللفظ.


22 - نأى شرع يمن باختلاف وشعبة     في الاسرا وهم والنون ضوء سنا تلا
23 - إناه له شاف وقل أو كلاهما     شفا ولكسر أو لياء تميلا



أمال حمزة والكسائي الألف التي بعد الهمزة مع الهمزة طبعا إذ لا تتأتى إمالة الألف إلا مع إمالة الهمزة في: " ونأى بجانبه " في الإسراء وفصلت، كما يفيده إطلاقه، وقوله: (وشعبة في الاسراء وهم) أي حمزة، والكسائي، أفاد أن موضع الإسراء يميله شعبة مع حمزة والكسائي، وضم حمزة والكسائي إلى شعبة في قوله: (وهم) لأنه لو لم يفعل لفهم أن موضع الإسراء يميله شعبة وحده وليس كذلك. ثم بين أن النون في الموضعين يميلها خلف والكسائي.

والخلاصة: أن خلفا والكسائي يميلان النون والألف مع الهمزة في موضعي الإسراء وفصلت، وأن خلادا يميل الألف مع الهمزة في الموضعين ولا إمالة له في النون، وأن شعبة يميل الألف مع الهمزة في موضع الإسراء فقط، ولا شيء له في موضع فصلت. هذا وما ذكره الناظم من الخلاف للسوسي في إمالة الهمزة مردود لا يقرأ به ولا يعول عليه. ثم ذكر أن هشاما وحمزة والكسائي أمالوا ألف إناه، مع النون في: غير ناظرين إناه في الأحزاب.

[ ص: 148 ] وأمال حمزة والكسائي ألف أو كلاهما في سورة الإسراء. ثم بين سبب الإمالة فيه فقال: (ولكسر) أي لكسر الكاف، أو (لياء)، أي لانقلاب الألف عن الياء (تميلا)، ولذلك لو سمي به وثنى لقيل: (كليان). واحتاج الناظم إلى ذكر إمالة كلاهما، لأن ألفه لم ترسم في المصاحف ياء، ولكن ثبتت إمالته لانقلاب ألفه عن الياء، فنص عليها خوفا من إهمالها.


24 - وذو الراء ورش بين بين وفي أرا     كهم وذوات اليا له الخلف جملا
25 - ولكن رءوس الآي قد قل فتحها     له غير ما ها فيه فاحضر مكملا



المعنى: أن الألف المتطرفة المصاحبة للراء أي: الواقعة بعدها التي ذكر في البيت السابق أن حمزة والكسائي وأبا عمرو يميلونها، هذه الألف يميلها ورش إمالة صغرى بين الفتح والإمالة المحضة، والمراد بها التقليل قولا واحدا. واستثنى من هذه الألفات الواقعة بعد الراء ألف ولو أراكهم في الأنفال، فله فيها الفتح والتقليل، كذلك له الفتح والتقليل في جميع الألفات التي لم تقع بعد راء، ويميلها حمزة والكسائي، أو الكسائي وحده، أو الدوري وحده عن الكسائي، واستثنى العلماء من هذا لفظ مرضاة، حيث وقع في القرآن الكريم، سواء كان منصوبا أم مجرورا، وسواء كان مضافا أم مجردا عن الإضافة، ولفظ الربا، حيث ورد في القرآن الكريم، ولفظ كلاهما في سورة الإسراء، ولفظ كمشكاة، في سورة النور، فلا تقليل لورش في شيء من هذه المستثنيات بل له فيها الفتح قولا واحدا. وقوله: (ولكن رءوس الآي) معناه: أن الألفات التي هي رءوس آي السور الإحدى عشرة السابقة التي يميلها حمزة والكسائي مطلقا، سواء كانت يائية أم واوية، قد قل فتحها لورش يعني أنه فتحها فتحا قليلا أي قللها، فتقليل الفتح: عبارة عن الإمالة بين بين. فورش يقلل رءوس آي هذه السور قولا واحدا، لا فرق عنده بين ذوات الياء وذوات الواو. وسواء كانت هذه الألفات بعد راء أم كانت بعد غيرها من الحروف، فتكون هذه الألفات التي هي رءوس الآي مستثناة من الألفات التي لورش فيها الفتح والتقليل. وقوله: (غير ما ها) فيه استثناء من الألفات التي هي رءوس آي السور المذكورة التي يقللها ورش قولا واحدا.

المعنى: أن الألفات التي هي رءوس الآي إذا اقترنت بضمير المؤنث وهو لفظ [ ص: 149 ] ها مثل:

دحاها، سواها، ومرعاها، وضحاها، تلاها، لا تأخذ حكم رءوس الآي التي لم تقترن بهذا الضمير، وهي التي يقللها ورش قولا واحدا، بل تأخذ حكم سواها من الألفات التي هي غير رءوس آي، ولورش فيها الفتح والتقليل مثل: الدنيا، والسلوى، سعى، أبى، وقضى، فيكون لورش في رءوس الآي المقرونة بضمير المؤنث وجهان: الفتح والتقليل، سواء كانت يائية أم واوية، إلا إذا كانت الألف فيها بعد راء، وذلك في كلمة ذكراها في والنازعات، فليس لورش فيها إلا التقليل عملا بقوله: (وذو الراء ورش بين بين).

والخلاصة: أن ورشا يقلل الألفات الواقعة بعد راء، قولا واحدا، سواء كانت رأس آية أم لم تكن، وسواء اقترن بالألف ضمير المؤنث أم لا. واستثنى له من ذلك ألف ولو أراكهم فله فيها الفتح، والتقليل، ويقلل الألفات التي هي رءوس آي، ولم تقع بعد الراء، ولم تقترن بالضمير قولا واحدا أيضا، ويقلل الألفات التي لم تكن رءوس آي، ولم تقع بعد راء، والألفات التي هي رءوس آي واقترنت بالضمير ولم تقع بعد راء بخلاف عنه، فله في كلا النوعين الفتح والتقليل.


26 - وكيف أتت فعلى وآخر آي ما     تقدم للبصري سوى راهما اعتلى
27 - ويا ويلتى أنى ويا حسرتى طووا     وعن غيره قسها ويا أسفى العلا



هذا معطوف على ما قبله من قراءة ورش، فيأخذ حكمه وهو التقليل يعني: أن ألف التأنيث المقصورة الواقعة فيما كان على وزن فعلى مثلث الفاء، والألفات التي هي أواخر آي السور الإحدى عشرة، كل منهما يقلل للبصري، ثم استثنى من النوعين الألفات الواقعة بعد راء، أي سواء كانت في فعلى، أم في رءوس الآي المذكورة.

فليس فيها للبصري إلا الإمالة الكبرى بمقتضى قوله السابق، وما بعد راء شاع حكما، ثم عطف على التقليل أيضا فقال: (يا ويلتى أنى) إلخ، يعني: أن الدوري عن أبي عمرو قلل ألفات هذه الكلمات الأربع: يا ويلتى أألد في سورة هود، أنى، حيث وردت في القرآن نحو: أنى يحيي هذه الله بعد موتها ، أنى لك هذا ، يا حسرتا على ما فرطت في الزمر، يا أسفى على يوسف في سورته. وضمير (راهما)، يعود على فعلى، وأواخر الآي، ومعنى قوله: (وعن غيره قسها) أن غير الدوري يقيس هذه الكلمات على أصله من الفتح، [ ص: 150 ] أو الإمالة أو التقليل. ولا يخفى أن هذه الكلمات تمال لحمزة والكسائي لاندراجها تحت أصولهما السالفة. وتقلل لورش بخلف عنه، وتفتح لباقي القراء. وقد جمع بعضهم الكلمات التي على وزن فعلى بضم الفاء في القرآن فبلغت عشرين كلمة وهي:

موسى، أنثى، معرفة ومنكرة، الدنيا، قربى، معرفة ومنكرة، الوسطى، القصوى، والعزى، الوثقى، الحسنى، الأولى، السفلى، العليا، الرؤيا، طوبى، المثلى، السوأى، زلفى، وسقياها، الرجعى، عقبى.

وأما فعلى بفتح الفاء ففي إحدى عشرة كلمة: والسلوى، الموتى، التقوى، النجوى، القتلى، مرضى، دعوا، شتى، صرعى، طغوى، يحيى. وأما فعلى بكسر الفاء ففي أربع كلمات: سيما، إحدى، ضيزى، عيسى، وقد اختلف العلماء في ألف كلتا، فذهب جماعة إلى أنها للتأنيث، فتكون على زنة فعلى بكسر الفاء، فتمال لحمزة والكسائي، وتقلل للبصري قولا واحدا، ولورش فيها الفتح والتقليل وهذا كله عند الوقف عليها، وذهب الجمهور إلى أن ألفها للتثنية، وعليه فليس فيها إمالة ولا تقليل لأحد، وهذا قول عامة أهل الأداء.


28 - وكيف الثلاثي غير زاغت بماضي     أمل خاب خافوا طاب ضاقت فتجملا
29 - وحاق وزاغوا جاء شاء وزاد فز     وجاء ابن ذكوان وفي شاء ميلا
30 - فزادهم الأولى وفي الغير خلفه     وقل صحبة بل ران واصحب معدلا



أمر بإمالة الألف في هذه الأفعال الثلاثية كيف وقعت في القرآن العزيز لحمزة وهي خاب نحو: وقد خاب من افترى ، وقد خاب من حمل ظلما وخاف نحو: وخاف وعيد ، وإن امرأة خافت ، خافوا عليهم ، وطاب في: فانكحوا ما طاب لكم من النساء ليس غير، وضاقت نحو: ضاقت عليهم الأرض بما رحبت ، وحاق نحو: وحاق بهم ما كانوا به يستهزئون وزاغ نحو: ما زاغ البصر ، فلما زاغوا ، وجاء نحو: ولقد جاءكم موسى ، وجاءوا على قميصه . وشاء نحو: إلا من شاء الله ، فلو شاء لهداكم وزاد نحو: وزاده بسطة ، فزادتهم إيمانا .

ويؤخذ من قوله: (وكيف الثلاثي)، ومن قوله (بماضي) أن فعلا من هذه الأفعال لا يمال إلا بشرطين:

(الأول) أن يكون ثلاثيا، فإن كان رباعيا امتنعت إمالته وذلك في فعلين، فأجاءها المخاض في مريم، أزاغ الله قلوبهم [ ص: 151 ] في الصف. (الثاني): أن يكون ماضيا كالأمثلة السابقة فإن كان مضارعا فلا إمالة فيه نحو: فأخاف أن يقتلون ، يخافون ربهم ، أن يشاء الله ربنا . وكذا لا إمالة فيه إذا كان أمرا نحو: وخافون . ويؤخذ من قوله (خافوا، ضاقت). أن حمزة يميل ألف هذه الأفعال سواء اتصل بها ضمير الفاعل أو تاء التأنيث أم تجردت منهما. واستثنى له من هذه الأفعال لفظ زاغت في قوله تعالى: وإذ زاغت الأبصار في الأحزاب. وقوله تعالى: أم زاغت عنهم الأبصار في (ص)، فقرأهما بالفتح. ثم ذكر أن ابن ذكوان وافق حمزة على إمالة ألف جاء، وشاء، حيث وقعا وكيف تصرفا، وألف زاد في الموضع الأول من القرآن، وهو فزادهم الله مرضا في البقرة، واختلف عنه في باقي المواضع فروي عنه فيها الفتح والإمالة. ثم أمر بإمالة ألف بل ران على المطففين، لشعبة وحمزة والكسائي. وقوله: (واصحب معدلا) معناه اصحب رجلا مقوم الخلق، يرشدك إلى الحق ويهديك الصراط السوي.


31 - وفي ألفات قبل را طرف أتت     بكسر أمل تدعى حميدا وتقبلا
32 - كأبصارهم والدار ثم الحمار مع     حمارك والكفار واقتس لتنضلا
33 - ومع كافرين الكافرين بيائه     وهار روى مرو بخلف صد حلا
34 - بدار وجبارين والجار تمموا     وورش جميع الباب كان مقللا
35 - وهذان عنه باختلاف ومعه في ال     بوار وفي القهار حمزة قللا
36 - وإضجاع ذي راءين حج رواته     كالابرار والتقليل جادل فيصلا



أمر بإمالة الألف المتوسطة الواقعة قبل راء متطرفة مكسورة للدوري عن الكسائي، ولأبي عمرو، وتقييد الراء بكونها متطرفة لإخراج الراء المتوسطة، فلا تمال الألف قبلها نحو:

ونمارق ، الحواريين ، وتمار، في: فلا تمار فيهم ، فالراء متوسطة في جميع ما ذكر. أما في: ونمارق و الحواريين فظاهر. وأما في تمار، فلأن الأصل تماري [ ص: 152 ] فحذفت الياء لدخول لا الناهية على الفعل. ومثل ذلك الجوار، في ومن آياته الجوار في الشورى، وله الجوار في سورة الرحمن، الجوار الكنس في التكوير.

فالراء فيه متوسطة أيضا، لأنه من باب المنقوص ووزنه فواعل، فحذفت الياء من آخره للتخفيف في موضع الشورى، ولالتقاء الساكنين في موضعي الرحمن والتكوير.

ومما تجب معرفته: أن الألف لا تمال إلا إذا اتصلت بالراء، ولم يفصل بينهما فاصل فإذا فصل بينهما فاصل امتنعت إمالة الألف نحو ولا طائر . فإن الهمزة فصلت بين الألف والراء.

ونحو مضار، في غير مضار ، فإن أصله مضارر، فسكنت الراء الأولى وأدغمت في الثانية، ومثله وليس بضارهم شيئا ، كذلك لا تمال الألف قبل الراء المكسورة المتطرفة إلا إذا كانت كسرتها أصلية، فإن كانت كسرتها عارضة امتنعت إمالة الألف قبلها نحو من أنصاري إلى الله . فإن كسرة الراء فيه عارضة بسبب الإضافة لمناسبة الياء، فإذا وقعت قبل راء متطرفة مفتوحة امتنعت إمالتها نحو وسار بأهله ، ويولج النهار ، ثم ذكر أمثلة لما يمال فقال كـ: أبصارهم، والدار، نحو عقبى الدار ، كمثل الحمار ، وانظر إلى حمارك ، يلونكم من الكفار . وتنويع الأمثلة للدلالة على إمالة الألف قبل الراء المتطرفة المكسورة، سواء اتصل بالكلمة التي فيها الراء ضمير الغيبة كأبصارهم، أم ضمير الخطاب نحو إلى حمارك . أم تجردت من الضميرين نحو وقنا عذاب النار ثم ذكر أن الدوري عن الكسائي وأبا عمرو يميلان لفظ كافرين، سواء كان منكرا نحو من قوم كافرين . أم معرفا باللام نحو فإن الله لا يحب الكافرين . بشرط أن يكون بالياء كما قال الناظم: (بيائه). واحترز بذلك عما كان بالواو نحو: والكافرون هم الظالمون ، قل يا أيها الكافرون . وعما تجرد من الياء والواو نحو: أول كافر به ، وأخرى كافرة

فلا إمالة في القسمين. ثم أخبر أن الكسائي وشعبة وأبا عمرو وقالون وابن ذكوان بخلف عنه أمالوا ألف كلمة هار في شفا جرف هار في التوبة. ولم يمل قالون إمالة كبرى في القرآن إلا في هذه الكلمة. ثم ذكر أن الدوري عن الكسائي ينفرد بإمالة ألف لفظ جبارين، وهو في سورة المائدة إن فيها قوما جبارين وفي سورة الشعراء وإذا بطشتم بطشتم جبارين ، وبإمالة ألف لفظ والجار، في موضعي النساء والجار ذي القربى والجار الجنب ثم أخبر أن ورشا قلل الألفات [ ص: 153 ] في هذا الباب من قوله: (وفي ألفات إلى هنا) أي الألفات الواقعة قبل راء متطرفة مكسورة، ولفظ كافرين بالياء معرفا كان أو منكرا، ولفظ هار، وجبارين، والجار، إلا أنه اختلف عنه في لفظ جبارين، في موضعيه، ولفظ والجار في موضعيه، فروي عنه في كل من اللفظين الفتح والتقليل، ثم أخبر أن حمزة اشترك مع ورش في تقليل الألف في لفظ البوار، في وأحلوا قومهم دار البوار في إبراهيم. وفي لفظ القهار، حيث وقع في القرآن الكريم.

وأخيرا بين أن أبا عمرو والكسائي يميلان الألف المتوسطة الواقعة بين راءين الثانية منهما متطرفة مكسورة نحو: إن كتاب الأبرار ، دار القرار ، من الأشرار .

ويلزم من إمالة الألف إمالة الراء قبلها، وتقييد الراء الثانية بكونها مكسورة لإخراج الراء المفتوحة فلا إمالة في الألف قبلها نحو: إن الأبرار ، و وإن الفجار ، فلا تولوهم الأدبار . ومعنى: (والتقليل جادل فيصلا) أن ورشا وحمزة يقللان الألف الواقعة بين راءين بشرطها المتقدم. وقوله: (واقتس) فعل أمر ماضيه اقتاس بمعنى قاس، مثل قرأ واقترأ. (لتنضلا) من النضال، وهو الغلبة. والمعنى: قس ما لم أذكره على ما ذكرته لتغلب خصمك بالحجة، يقال: ناضلهم فنضلهم إذا رماهم فغلبهم في الرمي.


37 - وإضجاع أنصاري تميم وسارعوا     نسارع والباري وبارئكم تلا
38 - وآذانهم طغيانهم ويسارعو     ن آذاننا عنه الجواري تمثلا
39 - يواري أواري في العقود بخلفه     ضعافا وحرفا النمل آتيك قولا
40 - بخلف ضممناه مشارب لامع     وآنية في هل أتاك لأعدلا
41 - وفي الكافرون عابدون وعابد     وخلفهم في الناس في الجر حصلا
42 - حمارك والمحراب إكراههن وال     حمار وفي الإكرام عمران مثلا
43 - وكل بخلف لابن ذكوان غير ما     يجر من المحراب فاعلم لتعملا



أخبر أن الدوري عن الكسائي انفرد بإمالة الألف في الألفاظ الآتية: أنصاري [ ص: 154 ] في " من أنصاري إلى الله " بآل عمران، والصف، وسارعوا إلى مغفرة من ربكم بآل عمران، نسارع لهم في الخيرات في المؤمنون، (البارئ) في الحشر، بارئكم في: إلى بارئكم ، عند بارئكم كلاهما في البقرة، (آذانهم) حيث وقع. والمراد الألف التي بعد الذال، (طغيانهم) حيث نزل، يسارعون، في جميع المواضع.

(آذاننا) في فصلت. والمراد إمالة الألف التي بعد الذال أيضا، و(الجوار) في الرحمن، والشورى، والتكوير، واختلف عنه في إمالة ألف يواري سوءة أخيه ، فأواري سوءة أخي ، كلاهما في العقود. فروي عنه فيهما الفتح والإمالة، ولكن الصحيح الذي هو طريق النظم وأصله هو الفتح. وأما الإمالة: فليست من هذه الطريق، فلا يقرأ بها له. وتقييده بالعقود للاحتراز عن يواري سوآتكم بالأعراف، فلا خلاف عنه في فتحه. ثم أخبر أن لفظ (ضعافا) في ضعافا خافوا عليهم في النساء أمال ألفه التي بعد العين، ويلزمه إمالة العين خلاد بخلاف عنه، وخلف بلا خلاف، وأمال أيضا خلاد الألف التي بعد الهمزة، ويلزمه إمالة الهمزة في لفظ (آتيك)، في موضعيه من سورة النمل. أنا آتيك به قبل أن تقوم من مقامك ، أنا آتيك به قبل أن يرتد إليك طرفك . وأمال هشام عن ابن عامر الألف في ومشارب في سورة (يس). وأمال أيضا الألف التي بعد الهمز مع إمالة الهمزة في (آنية) في هل أتاك حديث الغاشية ، وقيدها بهل أتاك، للاحتراز عن: ويطاف عليهم بآنية من فضة في الدهر. فلا إمالة فيه لأحد. وأمال هشام أيضا الألف التي بعد العين مع إمالة العين في " ولا أنتم عابدون " في الموضعين ولا أنا عابد الثلاثة في سورة الكافرين. وقيد هذه المواضع بهذه السورة لإخراج ونحن له عابدون فلا إمالة فيه لأحد. ثم ذكر أن خلف الرواة في إمالة الألف من لفظ (الناس) المجرور في جميع القرآن ثابت عن أبي عمرو، وظاهر هذا أن الخلاف ثابت عن أبي عمرو من الروايتين، فيكون لكل من الدوري والسوسي الفتح والإمالة، ولكن التحقيق أن الإمالة للدوري عنه والفتح للسوسي، فلا يقرأ للدوري من طريق الناظم إلا بالإمالة، ولا يقرأ للسوسي من هذه الطريق إلا بالفتح. ثم ذكر أنه عن ابن ذكوان في إمالة الألف في الكلمات الآتية: (حمارك)، في وانظر إلى حمارك في البقرة، كمثل الحمار في الجمعة، زكريا المحراب بآل عمران، إذ تسوروا المحراب في (ص)، من بعد إكراههن [ ص: 155 ] في النور. و(الإكرام) في الموضعين في الرحمن، و(عمران) في آل عمران، و امرأت عمران ، في التحريم. فروي عنه في كل من هذه الكلمات الفتح والإمالة، وثبتت عنه الإمالة قولا واحدا في لفظ المحراب المجرور، وهو في موضعين يصلي في المحراب بآل عمران، فخرج على قومه من المحراب في مريم. وهذا معنى قوله: (وكل بخلف لابن ذكوان) البيت.


44 - ولا يمنع الإسكان في الوقف عارضا     إمالة ما للكسر في الوصل ميلا



لا يمنع الإسكان الذي يعرض في الوقف إمالة الألف التي تمال في الوصل بسبب الكسر الذي بعدها نحو: بدينار ، كتاب الأبرار ، من الأشرار . فإن هذه الألفات أميلت في الوصل لكسر الحرف الذي بعدها، فإذا زال هذا الكسر عند الوقف عليها بالسكون فإن هذا السكون باعتبار كونه عارضا لا يمنع الإمالة، وإذا كان الوقف على هذه الكلمات بالسكون لا يمنع إمالة الألف لعروض السكون، فأولى ألا يمنع إمالتها الوقف عليها بالروم، لأن الحرف الأخير في هذه الحال يكون متحركا ولو ببعض الحركة، فيكون سبب الإمالة محققا.


45 - وقبل سكون قف بما في أصولهم     وذو الراء فيه الخلف في الوصل يجتلا
46 - كموسى الهدى عيسى ابن مريم والقرى ال     تي مع ذكرى الدار فافهم محصلا



قد تقع الألف الممالة قبل حرف ساكن في كلمة أخرى كالألف في موسى من موسى الهدى ، وفي عيسى من عيسى ابن مريم ، وفي القرى من وبين القرى التي ، وفي ذكرى من ذكرى الدار . فهذه الألف إما أن تقف عليها وإما أن تصلها بما بعدها، فإذا وقفت عليها وجب عليك أن تقف عليها بما تقرر في أصل كل قارئ ومذهبه، فإذا كان مذهبه الفتح فقف عليها له بالفتح، وإذا كان مذهبه الإمالة الصغرى فقف له عليها بالإمالة الصغرى، وإن كان مذهبه الإمالة الكبرى فقف عليها بها، وإن وصلتها بما بعدها وجب عليك حذفها لأنها التقت ساكنة مع ساكن بعدها، فتحذفها للتخلص من التقاء الساكنين، فلا يتأتى فيها حينئذ فتح ولا تقليل ولا إمالة.

ولكن الناظم [ ص: 156 ] رضي الله عنه حكى خلافا عن السوسي في هذه الألف إذا وقعت بعد راء نحو: حتى نرى الله ، فسيرى الله ، الكبرى اذهب .فروى عنه بعض أهل الأداء في حال الوصل فتحها، وروى عنه آخرون إمالتها، ولما كانت هذه الألف لا يتأتى فيها الفتح ولا الإمالة في الوصل نظرا لحذفها فيه تعين حمل هذا الخلاف على الراء التي قبل الألف، فيكون فيها للسوسي الفتح والإمالة المحضة، وعلة الإمالة في هذا الحرف الراء الدلالة على الألف المحذوفة بعدها تمال له عند الوقف على أصل قاعدته، كما أمال شعبة وحمزة الراء في رأى القمر ، رأى الشمس حال الوصل تنبيها على أن الألف بعدها ممالة لهما عند الوقف عليها.

قال العلامة أبو شامة: وشروط ما يميله السوسي من هذا الباب: ألا يكون الساكن تنوينا، فإن كان تنوينا لم يمل بلا خلاف نحو: قرى، مفترى، انتهى.

وينبغي أن يعلم أن السوسي إذا أمال الراء وصلا ووقع بعدها لفظ الجلالة جاز له في لفظ الجلالة التفخيم نظرا للأصل، وجاز له الترقيق نظرا لإمالة الراء، فحينئذ يكون للسوسي في نحو: نرى الله ، فسيرى الله ثلاثة أوجه من حيث تفخيم لفظ الجلالة وترقيقه. فإذا أمال الراء جاز له التفخيم نظرا للأصل، والترقيق نظرا للإمالة، وإذا فتح الراء تعين التفخيم، وله في نحو: ترى المؤمنين ، وترى الملائكة عند الوصل وجهان: الفتح والإمالة في الراء مع ترقيق اللام قولا واحدا.


47 - وقد فخموا التنوين وقفا ورققوا     وتفخيمهم في النصب أجمع أشملا
48 - مسمى ومولى رفعه مع جره     ومنصوبه غزى وتترا تزيلا



لما ذكر في البيتين السابقين حكم الألف الممالة وقفا ووصلا إذا وقع بعدها حرف ساكن في كلمة أخرى ذكر هنا حكمها إذا وقع بعدها ساكن في كلمتها، وكان هذا الساكن تنوينا، ومراده بالتفخيم الفتح، وبالترقيق الإمالة.

والمعنى: أن أهل الأداء اختلفوا في الوقف على الكلمة المنونة مثل: هدى، مسمى، على ثلاثة مذاهب:

المذهب الأول: الوقف عليها بتفخيم الألف أي فتحها مطلقا أي سواء كانت الكلمة مرفوعة نحو: وأجل مسمى ، يوم لا يغني مولى ، أم منصوبة نحو: أو كانوا غزى [ ص: 157 ] ، واتخذوا من مقام إبراهيم مصلى . أم مجرورة نحو: إلى أجل مسمى ، عن مولى . وأخذ هذا العموم من الإطلاق.

المذهب الثاني: ترقيقها، أي إمالتها في الأحوال الثلاث المتقدمة، وأخذ هذا العموم من الإطلاق أيضا.

المذهب الثالث: التفصيل وهو تفخيمها، أي فتحها في حال النصب، وترقيقها في حالي الرفع والجر، فقوله: (وقد فخموا التنوين) أي ذا التنوين (وقفا) إشارة للمذهب الأول، وقوله: (ورققوا) إشارة للمذهب الثاني. وقوله: (وتفخيمهم في النصب أجمع أشملا) إشارة للمذهب الثالث، وتمثيله (بتترا) لا يصح إلا على مذهب أبي عمرو، فإنه الذي يقرأ بالتنوين من المميلين. فأما حمزة والكسائي فيقرءان بترك التنوين، فلا خلاف عندهما في إمالة الألف وقفا ووصلا، وورش يقلله قولا واحدا. ومعنى (تزيلا) تميز المذكور وهو التنوين أي: ظهرت أنواعه وتميز بعضها من بعض بالأمثلة المذكورة، والحق الذي لا محيص عنه ولا يصح الأخذ بغيره: أن الألف الممالة التي يقع التنوين بعدها في كلمتها كالأمثلة الآنفة الذكر حكمها حكم الألف الممالة التي يقع بعدها ساكن في كلمة أخرى تحذف وصلا وتثبت وقفا، وعند الوقف عليها يكون كل قارئ حسب مذهبه، فإن كان مذهبه الفتح فتحها، وإن كان مذهبه التقليل قللها، وإن كان مذهبه الإمالة أمالها، ولذلك قال الإمام الداني في التيسير: كل ما امتنعت الإمالة فيه في حال الوصل من أجل ساكن لقيه تنوين أو غيره نحو: (هدى)، (مصفى)، (مصلى)، (مفترى)، (والأقصا الذي)، (طغى الماء)، (النصارى المسيح)، (وجنى الجنتين). فالإمالة فيه سائغة في الوقف لعدم ذلك الساكن، انتهى.

وقال المحقق ابن الجزري في النشر معقبا على كلام الإمام الشاطبي: إن قول الشاطبي: (وقد فخموا التنوين وقفا) إلخ، إنما هو خلاف نحوي لا تعلق له بالقراءة، انتهى.

التالي السابق


الخدمات العلمية