الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            ( 3406 ) مسألة ; قال : ( وإذا فلس الحاكم رجلا ، فأصاب أحد الغرماء عين ماله ، فهو أحق به ، إلا أن يشاء تركه ، ويكون أسوة الغرماء ) [ ص: 266 ] وجملته أن المفلس متى حجر عليه ، فوجد بعض غرمائه سلعته التي باعه إياها بعينها ، بالشروط التي يذكرها ، ملك فسخ البيع ، وأخذ سلعته . وروي ذلك عن عثمان وعلي ، وأبي هريرة . وبه قال عروة ، ومالك ، والأوزاعي ، والشافعي ، والعنبري وإسحاق ، وأبو ثور وابن المنذر . وقال الحسن والنخعي ، وابن شبرمة ، وأبو حنيفة : هو أسوة الغرماء ; لأن البائع كان له حق الإمساك لقبض الثمن ، فلما سلمه أسقط حقه من الإمساك ، فلم يكن له أن يرجع في ذلك بالإفلاس ، كالمرتهن إذا سلم الرهن إلى الراهن . ولأنه ساوى الغرماء في سبب الاستحقاق ، فيساويهم في الاستحقاق ، كسائرهم . ولنا ما روى أبو هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال { : من أدرك متاعه بعينه عند إنسان قد أفلس فهو أحق به } . متفق عليه .

                                                                                                                                            قال أحمد : لو أن حاكما حكم أنه أسوة الغرماء ، ثم رفع إلى رجل يرى العمل بالحديث ، جاز له نقض حكمه ، ولأن هذا العقد يلحقه الفسخ بالإقالة ، فجاز فيه الفسخ ; لتعذر العوض ، كالمسلم فيه إذا تعذر . ولأنه إذا شرط في البيع رهنا ، فعجز عن تسليمه ، استحق الفسخ ، وهو وثيقة بالثمن ، فالعجز عن تسليم الثمن بنفسه أولى . ويفارق المبيع الرهن ; فإن إمساك الرهن إمساك مجرد على سبيل الوثيقة ، وليس ببدل ، والثمن هاهنا بدل عن العين ، فإذا تعذر استيفاؤه ، رجع إلى المبدل . وقولهم : تساووا في سبب الاستحقاق . قلنا : لكن اختلفوا في الشرط ، فإن بقاء العين شرط لملك الفسخ ، وهي موجودة في حق من وجد متاعه دون من لم يجده . إذا ثبت هذا ، فإن البائع بالخيار ، إن شاء رجع في السلعة ، وإن شاء لم يرجع ، وكان أسوة الغرماء ، وسواء كانت السلعة مساوية لثمنها أو أقل أو أكثر ; لأن الإعسار سبب يثبت جواز الفسخ ، فلا يوجبه ، كالعيب والخيار ، ولا يفتقر الفسخ إلى حكم حاكم لأنه فسخ ثبت بالنص ، فلم يفتقر إلى حكم حاكم ، كفسخ النكاح لعتق الأمة .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية