الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
الرابع : المناولة


499 . ثم المناولات إما تقترن بالإذن أو لا ، فالتي فيها إذن      500 . أعلى الإجازات ، وأعلاها إذا
أعطاه ملكا فإعارة كذا      501 . أن يحضر الطالب بالكتاب له
عرضا وهذا العرض للمناوله      502 . والشيخ ذو معرفة فينظره
ثم يناول الكتاب محضره      503 . يقول : هذا من حديثي فاروه
وقد حكوا عن ( مالك ) ونحوه [ ص: 439 ]      504 . بأنها تعادل السماعا
وقد أبى المفتون ذا امتناعا      505 . إسحاق والثوري مع النعمان
والشافعي وأحمد الشيباني      506 . و ( ابن المبارك ) وغيرهم رأوا
بأنها أنقص ، قلت : قد حكوا      507 . إجماعهم بأنها صحيحه
معتمدا ، وإن تكن مرجوحة

التالي السابق


القسم الرابع من أقسام الأخذ والتحمل : المناولة ، وهي على نوعين : الأول : المناولة المقرونة بالإجازة ، وهي أعلى أنواع الإجازة على الإطلاق .

ثم لهذه المناولة العالية صور ، أعلاها أن يناوله شيئا من سماعه ، أصلا أو فرعا مقابلا به ، ويقول : هذا من سماعي ، أو روايتي عن فلان فاروه عني ، ونحو ذلك . وكذا لو لم يذكر شيخه وكان اسم شيخه في الكتاب المناول ، وفيه بيان سماعه منه ، أو إجازته منه ، ونحو ذلك ، ويملكه الشيخ له ، أو يقول له : خذه وانتسخه ، وقابل به ، ثم رده إلي ، ونحو ذلك . ومنها أن يناوله له ثم يرتجعه منه في الحال ، وسيأتي حكم هذه الصورة في الأبيات التي تلي هذه ، ومنها أن يحضر الطالب الكتاب - أصل الشيخ أو فرعه المقابل به - فيعرضه عليه ، وسماه غير واحد من الأئمة عرضا ، فيكون هذا عرض المناولة ، وقد تقدم عرض السماع . فإذا عرض الطالب الكتاب على الشيخ ، تأمله الشيخ ، وهو عارف متيقظ ، ثم يناوله للطالب ، ويقول : هو روايتي عن فلان أو عمن ذكر فيه ، أو نحو ذلك ، فاروه عني ، ونحو ذلك . ولم يتعرض ابن الصلاح لكون الصورة الأولى من صور المناولة أعلى ، ولكنه قدمها في الذكر ، وقال القاضي عياض : أرفعها أن يدفع الشيخ كتابه للطالب فيقول : هذه روايتي فاروها عني ، ويدفعها إليه ، أو يقول له : خذها فانسخها ، وقابل بها ثم اصرفها إلي ، أو يأتيه الطالب بنسخة [ ص: 440 ] صحيحة إلى آخر كلامه . وهذه المناولة المقرونة بالإجازة حالة محل السماع عند بعضهم ، كما حكاه الحاكم عن ابن شهاب ، وربيعة الرأي ، ويحيى بن سعيد الأنصاري ، ومالك في آخرين من أهل المدينة ، ومكة والكوفة والبصرة والشام ومصر وخراسان .

وفي كلامه بعض تخليط; إذ خلط عرض المناولة بعرض السماع ، وقال الحاكم في هذا العرض : أما فقهاء الإسلام الذين أفتوا في الحلال والحرام فإنهم لم يروه سماعا ، وبه قال الشافعي والأوزاعي والبويطي والمزني وأبو حنيفة وسفيان الثوري وأحمد بن حنبل وابن المبارك ويحيى بن يحيى وابن راهويه . قال : وعليه عهدنا أئمتنا ، وإليه ذهبوا ، وإليه نذهب . وقال ابن الصلاح : إنه الصحيح وإن هذا منحط عن التحديث والإخبار .

وقولي : ( قلت : قد حكوا إجماعهم ) ، أي : إجماع أهل النقل ، وإنما زدت نقل اتفاقهم هنا; لأن الشيخ حكى الخلاف المتقدم في الإجازة ، ولم يحك هنا إلا كونها موازية للسماع أولا ، فأردت نقل اتفاقهم على صحتها ، وقد حكاه القاضي عياض في الإلماع بعد أن قال : وهي رواية صحيحة عند معظم الأئمة والمحدثين ، وسمى جماعة ، ثم قال : وهو قول كافة أهل النقل والأداء والتحقيق من أهل النظر . انتهى .

وقولي : ( معتمدا ) ، هو بفتح الميم ، وهو تمييز ، أي : صحيحة اعتمادا .






الخدمات العلمية