الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
[ ص: 1060 ] [ 47 ] باب صلاة العيدين

" الفصل الأول "

1426 - عن أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه - قال : كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يخرج يوم الفطر والأضحى إلى المصلى ، فأول شيء يبدأ به الصلاة ، ثم ينصرف ، فيقوم مقابل الناس ، والناس جلوس على صفوفهم فيعظهم ، ويوصيهم ، ويأمرهم ، وإن كان يريد أن يقطع بعثا قطعه ، أو يأمر بشيء أمر به ، ثم ينصرف . متفق عليه .

التالي السابق


[ 47 ] باب صلاة العيدين

أي : الفطر والأضحى . قيل : إنما سمي العيد عيدا لأنه يعود كل سنة ، وهو مشتق من العود ، فقلبت الواو ياء لسكونها وانكسار ما قبلها . وفي الأزهار : كل اجتماع للسرور ، فهو عند العرب عيد لعود السرور بعوده . وقيل : لأن الله تعالى يعود على العباد بالمغفرة والرحمة ، ولذا قيل : ليس العيد لمن لبس الجديد ، إنما العيد لمن أمن الوعيد ، وجمعه أعياد وإن كان أصله الواو لا الياء للزومها في الواحد ، أو للفرق بينه وبين أعواد الخشب . قال النووي : هي عند الشافعي وجماهير العلماء سنة مؤكدة . وقال أبو سعيد الإصطخري من الشافعية : هي فرض كفاية . وقال أبو حنيفة : هي واجبة ذكره الأبهري ، ووجه الوجوب مواظبته - عليه الصلاة والسلام - من غير ترك ، كذا في الهداية ، ويؤيده ما ذكره ابن حبان وغيره : أن أول عيد صلاه النبي - صلى الله عليه وسلم - عيد الفطر في السنة الثانية من الهجرة ، وهي التي فرض رمضان في شعبانها ، ثم داوم - صلى الله عليه وسلم - إلى أن توفاه الله تعالى .

" الفصل الأول "

1426 - ( عن أبي سعيد الخدري قال : كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يخرج يوم الفطر والأضحى ) أي : ويوم الأضحى . ( إلى المصلى ) أي : مصلى العيد بالمدينة خارج البلد ، وهو الآن موضع معروف ، وبالتبرك موصوف .

في . ( شرح السنة ) : السنة أن يخرج الإمام لصلاة العيدين إلا من عذر ، فيصلي في المسجد ، أي مسجد داخل البلد . قال ابن الهمام : والسنة أن يخرج الإمام إلى الجبانة ، ويستخلف من يصلي بالضعفاء في المصر ، بناء على أن صلاة العيد في الموضعين جائزة بالاتفاق . قال ابن حجر : والكلام كله في غير مسجدي مكة وبيت المقدس ، وأما هما فهي فيهما أفضل مطلقا تبعا للسلف والخلف ، ولشرفهما مع اتساعهما .

( فأول شيء يبدأ ) أي : النبي - عليه الصلاة والسلام - . ( به الصلاة ) : قال الطيبي : يبدأ به صفة مؤكدة لـ " أول شيء " ، وأول شيء وإن كان مخصصا فهو خبر ; لأن الصلاة أعرف منه فهو كقوله تعالى : إن خير من استأجرت القوي الأمين فدل تقديم الخبر على الاختصاص والتعريض ببعض بني أمية منهم : مروان بن الحكم في تقديمه الخطبة على الصلاة . ( ثم ينصرف ) أي : عن الصلاة . وأما قول ابن حجر : " أي : من مصلاه إلى المنبر " ، فغفلة عن أن المنبر ما كان إذ ذاك . ( فيقوم ) أي : على الأرض . ( مقابل الناس ) : بكسر الباء ، وتفتح ، حال . قال الشيخ : فيه أن الخطبة على الأرض عن قيام في المصلى أولى من القيام على المنبر ، والفرق بينه وبين المسجد أن المصلى يكون بمكان فيه فضاء ، فيتمكن من رؤيته كل من حضر بخلاف المسجد ، فإنه يكون في مكان محصور ، فقد لا يراه بعضهم ، ووقع في آخر الحديث ما يدل على أن أول من خطب الناس في المصلى على المنبر مروان نقله الأبهري ، والأظهر أنه - عليه الصلاة والسلام - لم يضع المنبر للعيد دون الجمعة ، فإنه المحتاج إليه كل جمعة بخلاف العيد ، فإنه حالة نادرة . ولما كثر المسلمون اختير المنبر ; لأنه للتبليغ أبلغ وأظهر ، فهو بدعة حسنة وإن كان للواضع نية سيئة ، والله أعلم .

ثم رأيت ابن الهمام قال : ولا يخرج المنبر إلى الجبانة ، واختلفوا في بناء المنبر بالجبانة قال بعضهم : يكره ، قال خواهر زاده : حسن في زماننا ، وعن أبي حنيفة لا بأس به . ( والناس جلوس على صفوفهم ) أي : مستقبلين له على [ ص: 1061 ] حالتهم التي كانوا في الصلاة عليها . ( فيعظهم ) أي : يذكرهم بالعواقب : بشارة مرة ، ونذارة أخرى ، وبالزهد في الدنيا ، وبالرغبة في الأخرى ، وبالوعد في الثواب ، وبالوعيد في العقاب لئلا يستلذهم فرط السرور في هذا اليوم ، فيغفلوا عن الطاعة ، ويقعوا في المعصية كما هو شأن غالب أهل الزمان الآن . ( ويوصيهم ) : بالتخفيف ويشدد أي : بالتقوى لقوله تعالى : ولقد وصينا الذين أوتوا الكتاب من قبلكم وإياكم أن اتقوا الله وهي كلمة جامعة كاملة ، وبمراتب الكمال شاملة ، أدناها التقوى عن الشرك بالمولى ، وأوسطها امتثال الأوامر ، واجتناب الزواجر ، وأعلاها الحضور مع الله والغيبة عما سواه . وقال ابن حجر : أي : يوصيهم بإدامة الطاعات ، والتحرز عن السيئات ، وبرعاية حقوق الله وحقوق عباده ، ومنها النصح التام لكل مسلم . ( ويأمرهم ) أي : وينهاهم يعني بما يظهر له من الأمر والنهي المناسب للمقام ، فيكون الاختصار على ( يأمرهم ) من باب الاكتفاء ، والأظهر أن المراد : يأمرهم بأحكام الفطرة في عيد الفطر ، وبأحكام الأضحية في عيد الأضحى . وقال الطيبي : فيعظهم أي : ينذرهم ويخوفهم ; ليتقوا من عقاب الله ، ويوصيهم في حق الغير لينصحوا له ، ويأمرهم بالحلال ، وينهاهم عن الحرام ، والطاعة لله ورسوله . ( وإن كان يريد أن يقطع ) أي : يرسل أو يعين . ( بعثا ) أي : جيشا إلى ناحية في سبيل الله ، مصدر بمعنى المفعول . ( قطعه ) أي : أرسله ، وقيل قطعه بمعنى وزعه ، بأن يقول : يخرج من بني فلان كذا ، ومن بني فلان كذا . وفي النهاية أي : لو أراد أن يفرد قوما من غيرهم يبعثهم إلى الغزو لأفردهم وبعثهم . ( أو يأمر ) : بالنصب أي : وإن كان يريد أن يأمر . ( بشيء ) أي : من أمور الناس ومصالحهم ، فيكون من باب التأكيد أو التخصيص لبعض الناس ، أو لبعض الأمور الخاصة ، ويكون الأمر الأول من الأمور العامة أو من أمر الحرب . ( أمر به ) أي : لأمر بما أراد به من الأمر .

قال العلامة الكرماني : وليس تكرارا للأمر السابق ; لأن المراد بالأخير الأمر بما يتعلق بالبعث وقطعه من الحرب والاستعداد لها . وقال الشارح زين العرب : البعث : الجيش المبعوث إلى موضع ، مصدر بمعنى المفعول ، والمعنى إذا أراد أن يرسل جيشا إلى موضع لأرسله ، وقيل : قطعه أي : وزعه على القبائل ، أو يأمر بأمر من مصالح الناس لأمر ؛ لاجتماع الناس في هذا اليوم حتى لا يحتاج إلى أن يجمعهم مرة أخرى ، ولم تمنعه الخطبة عن ذلك ، وفيه دليل على أن الكلام في الخطبة غير حرام على الإمام .

قال القاضي البيضاوي : وفيه تأمل ; لأنه لم ينص في الحديث على أن ذلك في أثناء خطبة العيد ، ذكره ميرك . قلت : كلام الإمام إذا كان من واجبات الإسلام كيف يتصور أن يقال في حقه : إنه حرام ، ولو كان في أثناء خطبة الأنام ؟ ! ( ثم ينصرف ) أي : يرجع إلى بيته . ( متفق عليه ) قال ميرك : ولفظه للبخاري .




الخدمات العلمية