الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                          صفحة جزء
                                                          [ ذبح ]

                                                          ذبح : الذبح : قطع الحلقوم من باطن عند النصيل ، وهو موضع الذبح من الحلق . والذبح : مصدر ذبحت الشاة ؛ يقال : ذبحه يذبحه ذبحا ، فهو مذبوح وذبيح من قوم ذبحى وذباحى ، وكذلك التيس والكبش من كباش ذبحى وذباحى . والذبيحة : الشاة المذبوحة . وشاة ذبيحة ، وذبيح من نعاج ذبحى وذباحى وذبائح ، وكذلك الناقة ، وإنما جاءت ذبيحة بالهاء لغلبة الاسم عليها ؛ قال الأزهري : الذبيحة اسم لما يذبح من الحيوان ، وأنث ؛ لأنه ذهب به مذهب الأسماء لا مذهب النعت ، فإن قلت : شاة ذبيح أو كبش ذبيح أو نعجة ذبيح لم تدخل فيه الهاء ؛ لأن فعيلا إذا كان نعتا في معنى مفعول يذكر ، يقال : امرأة قتيل وكف خضيب ؛ وقال الأزهري : الذبيح المذبوح ، والأنثى ذبيحة وإنما جاءت بالهاء لغلبة الاسم عليها . وفي حديث القضاء : من ولي قاضيا فكأنما ذبح بغير سكين . معناه التحذير من طلب القضاء والحرص عليه ، أي : من تصدى للقضاء وتولاه فقد تعرض للذبح فليحذره ، والذبح هاهنا مجاز عن الهلاك فإنه من أسرع أسبابه ، وقوله : بغير سكين يحتمل وجهين : أحدهما : أن الذبح في العرف إنما يكون بالسكين ، فعدل عنه ليعلم أن الذي أراد به ما يخاف عليه من هلاك دينه دون هلاك بدنه ، والثاني : أن الذبح الذي يقع به راحة الذبيحة وخلاصها من الألم إنما يكون بالسكين ، فإذا ذبح بغير السكين كان ذبحه تعذيبا له ، فضرب به المثل ليكون أبلغ في الحذر وأشد في التوقي منه . وذبحه : كذبحه ، وقيل : إنما ذلك للدلالة على الكثرة ؛ وفي التنزيل : يذبحون أبناءكم ، وقد قرئ : " يذبحون أبناءكم " ؛ قال أبو إسحاق : القراءة المجتمع عليها بالتشديد ، والتخفيف [ ص: 18 ] شاذ ، والقراءة المجتمع عليها بالتشديد أبلغ ؛ لأن يذبحون للتكثير ، ويذبحون يصلح أن يكون للقليل والكثير ، ومعنى التكثير أبلغ . والذبح : اسم ما ذبح ؛ وفي التنزيل : وفديناه بذبح عظيم يعني كبش إبراهيم ، عليه السلام . الأزهري : معناه أي : بكبش يذبح ، وهو الكبش الذي فدي به إسماعيل بن خليل الله ، صلى الله عليه وسلم . الأزهري : الذبح ما أعد للذبح ، وهو بمنزلة الذبيح والمذبوح . والذبح : المذبوح ، هو بمنزلة الطحن بمعنى المطحون ، والقطف بمعنى المقطوف ؛ وفي حديث الضحية : فدعا بذبح فذبحه ، الذبح بالكسر : ما يذبح من الأضاحي وغيرها من الحيوان ، وبالفتح الفعل منه . واذبح القوم : اتخذوا ذبيحة ، كقولك : اطبخوا إذا اتخذوا طبيخا . وفي حديث أم زرع : فأعطاني من كل ذابحة زوجا ؛ هكذا في رواية ، أي : أعطاني من كل ما يجوز ذبحه من الإبل والبقر والغنم وغيرها ، وهي فاعلة بمعنى مفعولة ، والرواية المشهورة بالراء والياء من الرواح . وذبائح الجن : أن يشتري الرجل الدار أو يستخرج ماء العين وما أشبهه ، فيذبح لها ذبيحة للطيرة ؛ وفي الحديث : أنه - صلى الله عليه وسلم - نهى عن ذبائح الجن ؛ كانوا إذا اشتروا دارا أو استخرجوا عينا أو بنوا بنيانا ذبحوا ذبيحة ، مخافة أن تصيبهم الجن ، فأضيفت الذبائح إليهم لذلك ؛ معنى الحديث أنهم يتطيرون إلى هذا الفعل ، مخافة أنهم إن لم يذبحوا أو يطعموا أن يصيبهم فيها شيء من الجن يؤذيهم ، فأبطل النبي - صلى الله عليه وسلم - هذا ونهى عنه .

                                                          وفي الحديث : كل شيء في البحر مذبوح ، أي : ذكي لا يحتاج إلى الذبح . وفي حديث أبي الدرداء : ذبح الخمر الملح والشمس والنينان ؛ النينان : جمع نون ، وهي السمكة ؛ قال ابن الأثير : هذه صفة مري يعمل في الشام ، يؤخذ الخمر فيجعل فيه الملح والسمك ويوضع في الشمس ، فتتغير الخمر إلى طعم المري ، فتستحيل عن هيئتها كما تستحيل إلى الخلية ؛ يقول : كما أن الميتة حرام والمذبوحة حلال ، فكذلك هذه الأشياء ذبحت الخمر فحلت واستعار الذبح للإحلال . والذبح في الأصل : الشق . والمذبح السكين ؛ الأزهري : المذبح ما يذبح به الذبيحة من شفرة وغيرها . والمذبح : موضع الذبح من الحلقوم . والذابح : شعر ينبت بين النصيل والمذبح .

                                                          والذباح والذبحة والذبحة : وجع الحلق كأنه يذبح ، ولم يعرف الذبحة بالتسكين الذي عليه العامة . الأزهري : الذبحة - بفتح الباء - داء يأخذ في الحلق وربما قتل ؛ يقال : أخذته الذبحة والذبحة . الأصمعي : الذبحة ، بتسكين الباء : وجع في الحلق ؛ وأما الذبح ، فهو نبت أحمر .

                                                          وفي الحديث : أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كوى أسعد بن زرارة في حلقه من الذبحة ؛ وقال : لا أدع في نفسي حرجا من أسعد ، وكان أبو زيد يقول : الذبحة والذبحة لهذا الداء ، ولم يعرفه بإسكان الباء ؛ ويقال : كان ذلك مثل الذبحة على النحر ؛ مثل يضرب للذي تخاله صديقا فإذا هو عدو ظاهر العداوة ؛ وقال ابن شميل : الذبحة قرحة تخرج في حلق الإنسان مثل الذئبة التي تأخذ الحمار ؛ وفي الحديث : أنه عاد البراء بن معرور وأخذته الذبحة فأمر من لعطه بالنار ؛ الذبحة : وجع يأخذ في الحلق من الدم ، وقيل : هي قرحة تظهر فيه فينسد معها وينقطع النفس فتقتل . والذباح : القتل أيا كان . والذبح : القتيل . والذبح : الشق ، وكل ما شق فقد ذبح ؛ قال منظور بن مرثد الأسدي :


                                                          يا حبذا جارية من عك تعقد المرط على مدك     شبه كثيب الرمل غير رك
                                                          كأن بين فكها والفك     فأرة مسك ذبحت في سك



                                                          أي فتقت ، وقوله : غير رك ؛ لأنه خال من الكثيب . وربما قالوا : ذبحت الدن ، أي بزلته ؛ وأما قول أبي ذؤيب في صفة خمر :


                                                          إذا فضت خواتمها وبجت     يقال لها دم الودج الذبيح



                                                          فإنه أراد المذبوح عنه ، أي : المشقوق من أجله ، هذا قول الفارسي ؛ وقول أبي ذؤيب أيضا :


                                                          وسرب تطلى بالعبير كأنه     دماء ظباء بالنحور ذبيح



                                                          ذبيح : وصف للدماء ، وفيه شيئان : أحدهما وصف الدم بأنه ذبيح ، وإنما الذبيح صاحب الدم لا الدم ، والآخر أنه وصف الجماعة بالواحد ؛ فأما وصفه الدم بالذبيح فإنه على حذف المضاف ، أي : كأنه دماء ظباء بالنحور ذبيح ظباؤه ، ثم حذف المضاف وهو الظباء فارتفع الضمير الذي كان مجرورا لوقوعه موقع المرفوع المحذوف لما استتر في ذبيح ، وأما وصفه الدماء وهي جماعة بالواحد فلأن فعيلا يوصف به المذكر والمؤنث والواحد وما فوقه ؛ على صورة واحدة ؛ قال رؤبة :


                                                          دعها فما النحوي من صديقها

                                                          وقال تعالى : إن رحمة الله قريب من المحسنين . والذبيح : الذي يصلح أن يذبح للنسك ؛ قال ابن أحمر :


                                                          تهدى إليه ذراع البكر تكرمة     إما ذبيحا وإما كان حلاما



                                                          ويروى حلانا . والحلان : الجدي الذي يؤخذ من بطن أمه حيا فيذبح ، ويقال : هو الصغير من أولاد المعز ؛ ابن بري : عرض ابن أحمر في هذا البيت برجل كان يشتمه ويعيبه يقال له سفيان ، وقد ذكره في أول المقطوع فقال :


                                                          نبئت سفيان يلحانا ويشتمنا     والله يدفع عنا شر سفيانا



                                                          وتذابح القوم ، أي ذبح بعضهم بعضا . يقال : التمادح التذابح . والمذبح : شق في الأرض مقدار الشبر ونحوه . يقال : غادر السيل في الأرض أخاديد ومذابح . والذبائح : شقوق في أصول أصابع الرجل مما يلي الصدر ، واسم ذلك الداء الذباح ، وقيل : الذباح ، بالضم والتشديد . والذباح : تحزز وتشقق بين أصابع الصبيان من التراب ؛ ومنه قولهم : ما دونه شوكة ولا ذباح ، الأزهري عن ابن بزرج : الذباح حز في باطن أصابع الرجل عرضا ، وذلك أنه ذبح الأصابع [ ص: 19 ] وقطعها عرضا ، وجمعه ذبابيح ؛ وأنشد :


                                                          حر هجف متجاف مصرعه     به ذبابيح ونكب يظلعه



                                                          وكان أبو الهيثم يقول : ذباح ، بالتخفيف ، وينكر التشديد ؛ قال الأزهري : والتشديد في كلام العرب أكثر ، وذهب أبو الهيثم إلى أنه من الأدواء التي جاءت على فعال . والمذابح : من المسايل ، واحدها مذبح ، وهو مسيل يسيل في سند أو على قرار الأرض ، إنما هو جري السيل بعضه على أثر بعض ، وعرض المذبح فتر أو شبر ، وقد تكون المذابح خلقة في الأرض المستوية لها كهيئة النهر يسيل فيه ماؤها فذلك المذبح . والمذابح تكون في جميع الأرض في الأودية وغير الأودية وفيما تواطأ من الأرض ؛ والمذبح من الأنهار : ضرب كأنه شق أو انشق . والمذابح : المحاريب سميت بذلك للقرابين . والمذبح : المحراب والمقصورة ونحوهما ؛ ومنه الحديث : لما كان زمن المهلب أتي مروان برجل ارتد عن الإسلام وكعب شاهد ، فقال كعب : أدخلوه المذبح وضعوا التوراة وحلفوه بالله ؛ حكاه الهروي في الغريبين ؛ وقيل : المذابح المقاصير ، ويقال : هي المحاريب ونحوها . ومذابح النصارى : بيوت كتبهم ، وهو المذبح لبيت كتبهم .

                                                          ويقال : ذبحت فأرة المسك إذا فتقتها وأخرجت ما فيها من المسك ؛ وأنشد شعر منظور بن مرثد الأسدي :


                                                          فأرة مسك ذبحت في سك

                                                          أي : فتقت في الطيب الذي يقال له سك المسك . وتسمى المقاصير في الكنائس : مذابح ومذبحا ؛ لأنهم كانوا يذبحون فيها القربان ؛ ويقال : ذبحت فلانا لحيته إذا سالت تحت ذقنه وبدا مقدم حنكه ، فهو مذبوح بها ؛ قال الراعي :


                                                          من كل أشمط مذبوح بلحيته     بادي الأداة على مركوه الطحل



                                                          يصف قيم الماء منعه الورد . ويقال : ذبحته العبرة ، أي خنقته . والمذبح : ما بين أصل الفوق وبين الريش . والذبح : نبات له أصل يقشر عنه قشر أسود فيخرج أبيض ، كأنه خرزة بيضاء ، حلو طيب يؤكل ، واحدته ذبحة وذبحة ؛ حكاه أبو حنيفة عن الفراء ، وقال أبو حنيفة أيضا : قال أبو عمرو : الذبحة شجرة تنبت على ساق نبتا كالكراث ، ثم يكون لها زهرة صفراء ، وأصلها مثل الجزرة ، وهي حلوة ولونها أحمر . والذبح : الجزر البري وله لون أحمر ؛ قال الأعشى في صفة خمر :


                                                          وشمول تحسب العين إذا     صفقت في دنها نور الذبح



                                                          ويروى : بردتها لون الذبح . وبردتها : لونها وأعلامها ، وقيل : هو نبات يأكله النعام . ثعلب : الذبحة والذبح هو الذي يشبه الكمأة ؛ قال : ويقال له : الذبحة والذبح ، والضم أكثر ، وهو ضرب من الكمأة بيض ؛ ابن الأثير : وفي شعر كعب بن مرة :


                                                          إني لأحسب قوله وفعاله     يوما وإن طال الزمان ذباحا



                                                          قال : هكذا جاء في رواية . والذباح : القتل ، وهو أيضا نبت يقتل آكله ، والمشهور في الرواية رياحا . والذبح والذباح : نبات من السم ؛ وأنشد :


                                                          ولرب مطعمة تكون ذباحا

                                                          وقال رؤبة :


                                                          يسقيهم من خلل الصفاح     كأسا من الذيفان والذباح



                                                          وقال الأعشى :


                                                          ولكن ماء علقمة بسلع     يخاض عليه من علق الذباح



                                                          وقال آخر :


                                                          إنما قولك سم وذبح

                                                          ويقال : أصابه موت زؤام وذواف وذباح ؛ وأنشد لبيد :


                                                          كأسا من الذيفان والذباح

                                                          وقال : الذباح الذبح ؛ يقال : أخذهم بنو فلان بالذباح ، أي : ذبحوهم . والذبح أيضا : نور أحمر . وحيا الله هذه الذبحة ! أي : هذه الطلعة . وسعد الذابح : منزل من منازل القمر ، أحد السعود ، وهما كوكبان نيران بينهما مقدار ذراع في نحر واحد ، منهما نجم صغير قريب منه كأنه يذبحه ، فسمي لذلك ذابحا ؛ والعرب تقول : إذا طلع الذابح انحجر النابح . وأصل الذبح الشق ؛ ومنه قوله :


                                                          كأن عيني فيها الصاب مذبوح

                                                          أي : مشقوق معصور . وذبح الرجل : طأطأ رأسه للركوع كدبح ، حكاه الهروي في الغريبين ، والمعروف الدال .

                                                          وفي الحديث : أنه نهى عن التذبيح في الصلاة ، هكذا جاء في رواية ، والمشهور بالدال المهملة ؛ وحكى الأزهري عن الليث ، قال : جاء عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه نهى عن أن يذبح الرجل في صلاته كما يذبح الحمار ، قال : وقوله أن يذبح ، وهو أن يطأطئ رأسه في الركوع حتى يكون أخفض من ظهره ؛ قال الأزهري : صحف الليث الحرف ، والصحيح في الحديث : أن يدبح الرجل في الصلاة ؛ بالدال غير معجمة كما رواه أصحاب أبي عبيد عنه في غريب الحديث ، والذال خطأ لا شك فيه . والذابح : ميسم على الحلق في عرض العنق . ويقال للسمة : ذابح .

                                                          التالي السابق


                                                          الخدمات العلمية