الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                          صفحة جزء
                                                          [ ذخر ]

                                                          ذخر : ذخر الشيء يذخره ذخرا واذخره اذخارا : اختاره ، وقيل : اتخذه ، وكذلك اذخرته ، وهو افتعلت .

                                                          وفي حديث الضحية : كلوا واذخروا . وأصله اذتخره فثقلت التاء التي للافتعال مع الذال ، فقلبت ذالا وأدغمت فيها الذال الأصلية فصارت ذالا مشددة ، ومثله الاذكار من الذكر .

                                                          وقال الزجاج في قوله تعالى : تدخرون في بيوتكم أصله تذتخرون ؛ لأن الذال حرف مجهور لا يمكن النفس أن يجري معه ؛ لشدة اعتماده في مكانه ، والتاء مهموسة ، فأبدل من مخرج التاء حرف مجهور يشبه الذال في جهرها وهو الدال فصار تدخرون وأصل الإدغام أن تدغم الأول في الثاني .

                                                          قال : ومن العرب من يقول تذخرون ، بذال مشددة ، وهو جائز ، والأول أكثر . والذخيرة : واحدة الذخائر ، وهي : ما ادخر ؛ قال :


                                                          لعمرك ما مال الفتى بذخيرة ولكن إخوان الصفاء الذخائر



                                                          وكذلك الذخر ، والجمع أذخار . وذخر لنفسه حديثا حسنا : أبقاه ، وهو مثل بذلك . وفي حديث أصحاب المائدة : أمروا أن لا يدخروا فادخروا . قال ابن الأثير : هكذا ينطق بها ، بالدال المهملة . وأصل الادخار اذتخار ، وهو افتعال من الذخر . ويقال : اذتخر يذتخر فهو مذتخر ، فلما أرادوا أن يدغموا ليخف النطق قلبوا التاء إلى ما يقاربها من الحروف ، وهو الدال المهملة ؛ لأنهما من مخرج واحد [ ص: 22 ] فصارت اللفظة مذدخر بذال ودال ، ولهم فيه حينئذ مذهبان : أحدهما : وهو الأكثر ، أن تقلب الذال المعجمة دالا مشددة ، والثاني : وهو الأقل ، أن تقلب الدال المهملة ذالا وتدغم فيها فتصير ذالا مشددة معجمة ، وهذا العمل مطرد في أمثاله نحو ادكر واذكر ، واتغر واثغر . والمذخر : العفج . والإذخر : حشيش طيب الريح أطول من الثيل ينبت على نبتة الكولان ، واحدتها إذخرة ، وهي شجرة صغيرة ؛ قال أبو حنيفة : الإذخر له أصل مندفن دقاق دفر الريح ، وهو مثل أسل الكولان إلا أنه أعرض وأصغر كعوبا ، وله ثمرة كأنها مكاسح القصب إلا أنها أرق وأصغر ، وهو يشبه في نباته الغرز ، يطحن فيدخل في الطيب ، وهي تنبت في الحزون والسهول وقلما تنبت الإذخرة منفردة ؛ ولذلك قال أبو كبير :


                                                          وأخو الإباءة إذ رأى خلانه     تلى شفاعا حوله كالإذخر



                                                          قال : وإذا جف الإذخر ابيض ؛ قال الشاعر وذكر جدبا :


                                                          إذا تلعات بطن الحشرج امست     جديبات المسارح والمراح
                                                          تهادى الريح إذخرهن شهبا     ونودي في المجالس بالقداح



                                                          احتاج إلى وصل همزة أمست فوصلها . وفي حديث الفتح وتحريم مكة : فقال العباس إلا الإذخر فإنه لبيوتنا وقبورنا . الإذخر ، بكسر الهمزة : حشيشة طيبة الرائحة يسقف بها البيوت فوق الخشب ، وهمزتها زائدة .

                                                          وفي الحديث في صفة مكة : وأعذق إذخرها ، أي : صار له أعذاق .

                                                          وفي الحديث ذكر تمر ذخيرة ؛ هو نوع من التمر معروف ؛ وقول الراعي :


                                                          فلما سقيناها العكيس تمذحت     مذاخرها وازداد رشحا وريدها



                                                          يعني أجوافها وأمعاءها ، ويروى : خواصرها . الأصمعي : المذاخر أسفل البطن . يقال : فلان ملأ مذاخره إذا ملأ أسافل بطنه . ويقال للدابة إذا شبعت : قد ملأت مذاخرها ؛ قال الراعي :


                                                          حتى إذا قتلت أدنى الغليل ولم     تملأ مذاخرها للري والصدر



                                                          أبو عمرو : الذاخر السمين . أبو عبيدة : فرس مذخر ، وهو المبقى لحضره ، وقال : ومن المذخر المسواط ، وهو الذي لا يعطي ما عنده إلا بالسوط ، والأنثى مذخرة .

                                                          وفي الحديث : حتى إذا كنا بثنية أذاخر ؛ هي موضع بين مكة والمدينة ، وكأنها مسماة بجمع الإذخر .

                                                          التالي السابق


                                                          الخدمات العلمية