الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
[ ص: 17 ] النوع الخمسون في منطوقه ومفهومه .

المنطوق ما دل عليه اللفظ في محل النطق ، فإن أفاد معنى لا يحتمل غيره فالنص ، نحو : فصيام ثلاثة أيام في الحج وسبعة إذا رجعتم تلك عشرة كاملة [ البقرة : 196 ] ، وقد نقل عن قوم من المتكلمين أنهم قالوا بندور النص جدا في الكتاب والسنة ، وقد بالغ إمام الحرمين وغيره في الرد عليهم ، قال : لأن الغرض من النص الاستقلال بإفادة المعنى على قطع مع انحسام جهات التأويل والاحتمال ، وهذا وإن عز حصوله بوضع الصيغ ردا إلى اللغة فما أكثره مع القرائن الحالية والمقالية . انتهى .

أو مع احتمال غيره احتمالا مرجوحا فالظاهر ، نحو : فمن اضطر غير باغ ولا عاد [ البقرة : 173 ] ، فإن الباغي يطلق على الجاهل وعلى الظالم ، وهو فيه أظهر وأغلب ، ونحو : ولا تقربوهن حتى يطهرن [ البقرة : 222 ] ، فإنه يقال للانقطاع طهر ، وللوضوء والغسل وهو في الثاني أظهر ، وإن حمل على المرجوح لدليل ، فهو تأويل ، ويسمى المرجوح المحمول عليه مؤولا كقوله : وهو معكم أين ما كنتم [ الحديد : 4 ] ، فإنه يستحيل حمل المعية على القرب بالذات فتعين صرفه عن ذلك ، وحمله على القدرة والعلم أو على الحفظ والرعاية .

وكقوله : واخفض لهما جناح الذل من الرحمة [ الإسراء : 24 ] ، فإنه يستحيل حمله على الظاهر ، لاستحالة أن يكون للإنسان أجنحة فيحمل على الخضوع وحسن الخلق ، وقد يكون مشتركا بين حقيقتين أو حقيقة ومجاز ، ويصح حمله عليهما جميعا ، فيحمل عليهما جميعا سواء قلنا بجواز استعمال اللفظ في معنييه أو لا .

ووجهه على هذا أن يكون اللفظ قد خوطب به مرتين ؛ مرة أريد هذا ، ومرة أريد هذا .

ومن أمثلته ولا يضار كاتب ولا شهيد [ البقرة : 282 ] ، فإنه يحتمل : لا يضارر الكاتب والشهيد صاحب الحق بجور في الكتابة والشهادة .

ولا يضارر - بالفتح - أي : لا [ ص: 18 ] يضرهما صاحب الحق بإلزامهما ما لا يلزمهما ، وإجبارهما على الكتابة والشهادة .

ثم إن توقفت صحة دلالة اللفظ على إضمار سميت دلالة اقتضاء ، نحو : واسأل القرية [ يوسف : 82 ] ؛ أي : أهلها .

وإن لم تتوقف ، ودل اللفظ على ما لم يقصد به سميت : دلالة إشارة كدلالة قوله تعالى : أحل لكم ليلة الصيام الرفث إلى نسائكم [ البقرة : 187 ] ، على صحة صوم من أصبح جنبا ؛ إذ إباحة الجماع إلى طلوع الفجر تستلزم كونه جنبا في جزء من النهار ، وقد حكي هذا الاستنباط عن محمد بن كعب القرظي .

التالي السابق


الخدمات العلمية