الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                          صفحة جزء
                                                          [ ذكا ]

                                                          ذكا : ذكت النار تذكو ذكوا وذكا ، مقصور ، واستذكت ، كله : اشتد لهبها واشتعلت ، ونار ذكية على النسب ؛ وأنشد ابن الأعرابي :


                                                          ينفخن منه لهبا منفوحا لمعا يرى لا ذكيا مقدوحا



                                                          وأراد ينفخن منه لهبا منفوخا ، فأبدل الحاء مكان الخاء ليوافق روي [ ص: 38 ] هذا الرجز كله ؛ لأن هذا الرجز حائي ؛ ومثله قول رؤبة :


                                                          غمر الأجاري كريم السنح     أبلج لم يولد بنجم الشح



                                                          يريد : كريم السنخ . وأذكاها وذكاها : رفعها وألقى عليها ما تذكو به . والذكوة والذكية : ما ذكاها به من حطب أو بعر ، الأخيرة من باب جبوت الخراج جباية . والذكوة والذكا : الجمرة الملتهبة . وأذكيت الحرب إذا أوقدتها ؛ وأنشد :


                                                          إنا إذ مذكي الحروب أرجا

                                                          وتذكية النار : رفعها .

                                                          وفي حديث ذكر النار : قشبني ريحها وأحرقني ذكاؤها . الذكاء : شدة وهج النار ؛ يقال : ذكيت النار إذا أتممت إشعالها ورفعتها ، وكذلك قوله تعالى : إلا ما ذكيتم ذبحه على التمام . والذكا : تمام إيقاد النار ، مقصور يكتب بالألف ؛ وأنشد :


                                                          ويضرم في القلب اضطراما كأنه     ذكا النار ترفيه الرياح النوافح



                                                          وذكاء - بالضم - : اسم الشمس ، معرفة لا ينصرف ولا تدخلها الألف واللام ، تقول : هذه ذكاء طالعة ، وهي مشتقة من ذكت النار تذكو ، ويقال للصبح ابن ذكاء ؛ لأنه من ضوئها ؛ وأنشد :


                                                          فوردت قبل انبلاج الفجر     وابن ذكاء كامن في كفر



                                                          وقال رؤبة ثعلبة بن صعير المازني رؤبة يصف ظليما ونعامة :


                                                          فتذكرا ثقلا رثيدا بعدما     ألقت ذكاء يمينها في كافر



                                                          والذكاء ، ممدود : حدة الفؤاد . والذكاء : سرعة الفطنة . الليث : الذكاء من قولك قلب ذكي وصبي ذكي إذا كان سريع الفطنة ، وقد ذكي - بالكسر - يذكى ذكا . ويقال : ذكا يذكو ذكاء ، وذكو فهو ذكي . ويقال : ذكو قلبه يذكو إذا حي بعد بلادة ، فهو ذكي على فعيل ، وقد يستعمل ذلك في البعير . وذكا الريح : شدتها من طيب أو نتن . ومسك ذكي وذاك : ساطع الرائحة ، وهو منه . ومسك ذكي وذكية ، فمن أنث ذهب به إلى الرائحة ؛ وقال أبو هفان : المسك والعنبر يؤنثان ويذكران .

                                                          قال ابن بري : وتقول هو ذكي الرائحة وذاكي الرائحة ؛ قال قيس بن الخطيم :


                                                          كأن القرنفل والزنجبيل     وذاكي العبير بجلبابها



                                                          والذكاء : السن . وقال الحجاج : فررت عن ذكاء ، وبلغت الدابة الذكاء ، أي السن . وذكى الرجل : أسن وبدن . والمذكي أيضا : المسن من كل شيء ، وخص بعضهم به ذوات الحافر ، وهو أن يجاوز القروح بسنة . والمذاكي : الخيل التي أتى عليها بعد قروحها سنة أو سنتان ، الواحد مذك ، مثل المخلف من الإبل . والمذكي أيضا من الخيل : الذي يذهب حضره وينقطع . وفي المثل : جري المذكيات غلاب ، أي : جري المسان القرح من الخيل أن تغالب الجري غلابا ، وتأويل تمام السن النهاية في الشباب ، فإذا نقص عن ذلك أو زاد فلا يقال له الذكاء . والذكاء في الفهم : أن يكون فهما تاما سريع القبول . ابن الأنباري في ذكاء الفهم والذبح : إنه التمام ، وإنهما ممدودان . والتذكية : الذبح . والذكاء والذكاة : الذبح ؛ عن ثعلب : والعرب تقول : ذكاة الجنين ذكاة أمه ، أي : إذا ذبحت الأم ذبح الجنين .

                                                          وفي الحديث : ذكاة الجنين ذكاة أمه . ابن الأثير : التذكية الذبح والنحر ؛ يقال : ذكيت الشاة تذكية والاسم الذكاة ، والمذبوح ذكي ، ويروى هذا الحديث بالرفع والنصب ، فمن رفع جعله خبر المبتدأ الذي هو ذكاة الجنين ، فتكون ذكاة الأم هي ذكاة الجنين فلا يحتاج إلى ذبح مستأنف ، ومن نصب كان التقدير : ذكاة الجنين كذكاة أمه ، فلما حذف الجار نصب ، أو على تقدير يذكى تذكية مثل ذكاة أمه ، فحذف المصدر وصفته وأقام المضاف إليه مقامه ، فلا بد عنده من ذبح الجنين إذا خرج حيا ، ومنهم من يرويه بنصب الذكاتين ، أي : ذكوا الجنين ذكاة أمه . ابن سيده : وذكاء الحيوان ذبحه ؛ ومنه قوله :


                                                          يذكيها الأسل

                                                          وقوله تعالى : وما أكل السبع إلا ما ذكيتم قال أبو إسحاق : معناه إلا ما أدركتم ذكاته من هذه التي وصفنا . وكل ذبح ذكاة . ومعنى التذكية : أن تدركها وفيها بقية تشخب معها الأوداج وتضطرب اضطراب المذبوح الذي أدركت ذكاته ، وأهل العلم يقولون : إن أخرج السبع الحشوة أو قطع الجوف قطعا تخرج معه الحشوة فلا ذكاة لذلك ، وتأويله أن يصير في حالة ما لا يؤثر في حياته الذبح .

                                                          وفي حديث الصيد : كل ما أمسكت عليك كلابك ذكي وغير ذكي . أراد بالذكي ما أمسك عليه فأدركه قبل زهوق روحه فذكاه في الحلق واللبة ، وأراد بغير الذكي ما زهقت روحه قبل أن يدركه فيذكيه مما جرحه الكلب بسنه أو ظفره .

                                                          وفي حديث محمد بن علي : ذكاة الأرض يبسها ؛ يريد طهارتها من النجاسة ، جعل يبسها من النجاسة الرطبة في التطهير بمنزلة تذكية الشاة في الإحلال ؛ لأن الذبح يطهرها ويحلل أكلها . وأصل الذكاة في اللغة كلها : إتمام الشيء ، فمن ذلك الذكاء في السن والفهم : وهو تمام السن . قال : وقال الخليل : الذكاء في السن أن يأتي على قروحه سنة ، وذلك تمام استتمام القوة ؛ قال زهير :


                                                          يفضله إذا اجتهدا عليه     تمام السن منه والذكاء



                                                          وجدي ذكي : ذبيح ؛ قال ابن سيده : وهذه الكلمة واوية ، وأما ( ذ ك ي ) فعدم ، وقد ذكرت أن الذكية نادر . وأذكيت عليه العيون إذا أرسلت عليه الطلائع ؛ قال أبو خراش الهذلي :


                                                          وظل لنا يوم كأن أواره     ذكا النار من نجم الفروع طويل



                                                          الفروع - بعين مهملة - : فروع الجوزاء ، وهي أشد ما يكون من الحر . وذكوان : قبيلة من سليم . والذكاوين : صغار السرح ، واحدتها ذكوانة . ابن الأعرابي : الذكوان شجر ، الواحدة ذكوانة . ومذاكي السحاب : التي مطرت مرة بعد أخرى ، الواحدة مذكية ؛ قال الراعي :

                                                          [ ص: 39 ]

                                                          وترعى القرار الجو حيث تجاوبت     مذاك وأبكار من المزن دلح



                                                          وذكوان : اسم . وذكوة : قرية ؛ قال الراعي :


                                                          يبتن سجودا من نهيت مصدر     بذكوة إطراق الظباء من الوبل



                                                          وقيل : هي مأسدة في ديار قيس .

                                                          التالي السابق


                                                          الخدمات العلمية