الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
فصل في مناسبة العلل ; لأحكامها وزوال الأحكام بزوال أسبابها فالضرورات مناسبة لإباحة المحظورات جلبا لمصالحها ، والجنايات مناسبة لإيجاب العقوبات درءا لمفاسدها ، والنجاسات مناسبة لوجوب اجتنابها ، ولا مناسبة بين طهارة الأحداث وأسبابها ، إذ كيف يناسب خروج المني من الفرج أو إيلاج أحد الفرجين في الآخر أو خروج الحيض والنفاس لغسل جميع أعضاء البدن ، ولا مناسبة بين المس واللمس وخروج الخارج من إحدى السبيلين لإيجاب تطهير الأربعة مع العفو عن نجاسة محل الخروج ، ولا للمسح على العمائم والعصائب والجبائر والخفاف ، وكذلك لا مناسبة ; لأسباب الحدث الأصغر والأكبر لإيجاب مسح الوجه واليدين بالتراب ، بل ذلك تعبد من رب الأرباب ومالك الرقاب الذي يفعل ما يشاء ويحكم ما يريد ، وما أشبه هذه الأسباب بالتوقيت .

والأصل أن تزول الأحكام بزوال عللها فإذا تنجس الماء القليل ثم بلغ قلتين زالت نجاسته ; لزوال علتها ، وهي القلة ، ولو تغير الكثير ثم أزيل تغيره طهر ; لزوال علة نجاسته ، وهي التغير ، فإذا انقلب العصير خمرا زالت طهارته ، فإذا انقلب الخمر خلا زالت نجاستها ، وكذلك الصبا والسفه [ ص: 6 ] والإغماء والنوم والجنون أسباب لزوال التكاليف ونفوذ التصرف ، فإذا زالت حصل التكليف ، ونفذ التصرف ، وكلما عاد النوم أو الإغماء أو الجنون زال التكليف بزوال علته ، وكذلك يثبت التصرف بحصول الملك ويزول بزواله ، وكذلك أحكام الحدث الأصغر والأكبر ، وكذلك حكم السهو والغفلة والذكر والنسيان ، وكذلك وجوب العصمة بالإيمان ، وزوالها بالكفر ، وكذلك تزول ولاية الأب والوصي والحاكم بفسوقهم ، فإن عادوا إلى العدالة عاد الأب إلى ولايته دون الوصي والحاكم ; لأن فسوق الأب مانع ، وفسوق الوصي والحاكم قاطع .

وكذلك موانع ولاية النكاح في حق الأولياء ترفع الولاية بزوالها وتعود بارتفاعها ، وقد شرع الرمل في الطواف لإيهام المشركين قوة المؤمنين ، وقد زال ذلك والرمل مشروع إلى يوم الدين .

ومثل هذا لا يقاس عليه ; لأن القياس فرع لفهم المعنى ، ويجوز أن يقال : إنه صلى الله عليه وسلم رمل في حجة الوداع مع زوال السبب تذكيرا لنعمة الأمن بعد الخوف لنشكر عليها ، فقد أمرنا الله بذكر نعمه في غير موضع من كتابه وما أمرنا بذكرها إلا لنشكرها .

التالي السابق


الخدمات العلمية