الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                          صفحة جزء
                                                          [ ذلل ]

                                                          ذلل : الذل : نقيض العز ، ذل يذل ذلا وذلة وذلالة ومذلة ، فهو ذليل بين الذل والمذلة من قوم أذلاء وأذلة وذلال ؛ قال عمرو بن قميئة :


                                                          وشاعر قوم أولي بغضة قمعت فصاروا لئاما ذلالا



                                                          وأذله هو وأذل الرجل : صار أصحابه أذلاء . وأذله : وجده ذليلا . واستذلوه : رأوه ذليلا ، ويجمع الذليل من الناس أذلة وذلانا . والذل : الخسة ، وأذله واستذله ، كله بمعنى واحد . وتذلل له ، أي : خضع . وفي أسماء الله تعالى : المذل ؛ هو الذي يلحق الذل بمن يشاء من عباده وينفي عنه أنواع العز جميعها . واستذل البعير الصعب : نزع القراد عنه ليستلذ فيأنس به ويذل ؛ وإياه عنى الحطيئة بقوله :


                                                          لعمرك ما قراد بني قريع [ ص: 41 ]     إذا نزع القراد بمستطاع



                                                          وقوله أنشده ابن الأعرابي :


                                                          ليهنئ تراثي لامرئ غير ذلة     صنابر أحدان لهن حفيف



                                                          أراد غير ذليل أو غير ذي ذلة ، ورفع صنابر على البدل من تراث . وفي التنزيل العزيز : سينالهم غضب من ربهم وذلة في الحياة الدنيا قيل : الذلة ما أمروا به من قتل أنفسهم ؛ وقيل : الذلة أخذ الجزية ؛ قال الزجاج : الجزية لم تقع في الذين عبدوا العجل ؛ لأن الله تعالى تاب عليهم بقتل أنفسهم . وذل ذليل : إما أن يكون على المبالغة ، وإما أن يكون في معنى مذل ؛ أنشد سيبويه لكعب بن مالك :


                                                          لقد لقيت قريظة ما ساءها     وحل بدارهم ذل ذليل



                                                          والذل بالكسر : اللين وهو ضد الصعوبة . والذل والذل : ضد الصعوبة . ذل يذل ذلا وذلا ، فهو ذلول ، يكون في الإنسان والدابة ؛ وأنشد ثعلب :


                                                          وما يك من عسرى ويسرى فإنني     ذلول بحاج المعتفين أريب



                                                          علق ذلولا بالباء ؛ لأنه في معنى رفيق ورءوف ، والجمع ذلل وأذلة . ودابة ذلول ، الذكر والأنثى في ذلك سواء ، وقد ذلله . الكسائي : فرس ذلول بين الذل ، ورجل ذليل بين الذلة والذل ، ودابة ذلول بينة الذل من دواب ذلل .

                                                          وفي حديث ابن الزبير : بعض الذل أبقى للأهل والمال ؛ معناه أن الرجل إذا أصابته خطة ضيم يناله فيها ذل فصبر عليها كان أبقى له ولأهله وماله ، فإذا لم يصبر ومر فيها طالبا للعز غرر بنفسه وأهله وماله ، وربما كان ذلك سببا لهلاكه . وعير المذلة : الوتد ؛ لأنه يشج رأسه ؛ وقوله :


                                                          ساقيته كأس الردى بأسنة     ذلل مؤللة الشفار حداد



                                                          إنما أراد مذللة بالإحداد ، أي : قد أدقت وأرقت ؛ وقوله أنشده ثعلب :


                                                          وذل أعلى الحوض من لطامها

                                                          أراد أن أعلاه تثلم وتهدم فكأنه ذل وقل .

                                                          وفي الحديث : اللهم اسقنا ذلل السحاب . هو الذي لا رعد فيه ولا برق ، وهو جمع ذلول من الذل - بالكسر - ضد الصعب ؛ ومنه حديث ذي القرنين : أنه خير في ركوبه بين ذلل السحاب وصعابه فاختار ذلله . والذل والذل : الرفق والرحمة . وفي التنزيل العزيز : واخفض لهما جناح الذل من الرحمة . وفي التنزيل العزيز في صفة المؤمنين : أذلة على المؤمنين أعزة على الكافرين قال ابن الأعرابي فيما روى عنه أبو العباس : معنى قوله - عز وجل - أذلة على المؤمنين رحماء رفقاء على المؤمنين ، أعزة على الكافرين ، غلاظ شداد على الكافرين ؛ وقال الزجاج : معنى أذلة على المؤمنين ، أي : جانبهم لين على المؤمنين ليس أنهم أذلاء مهانون ، وقوله أعزة على الكافرين أي : جانبهم غليظ على الكافرين . وقوله - عز وجل - : وذللت قطوفها تذليلا أي : سويت عناقيدها ودليت ، وقيل : هذا كقوله - عز وجل - : قطوفها دانية كلما أرادوا أن يقطفوا شيئا منها ذلل ذلك لهم فدنا منهم قعودا كانوا أم مضطجعين أو قياما ، قال أبو منصور : وتذليل العذوق ، في الدنيا أنها إذا انشقت عنها كوافيرها التي تغطيها يعمد الآبر إليها فيسمحها وييسرها حتى يذللها خارجة من بين ظهران الجريد والسلاء ، فيسهل قطافها عند ينعها ؛ وقال الأصمعي في قول امرئ القيس :


                                                          وكشح لطيف كالجديل مخصر     وساق كأنبوب السقي المذلل



                                                          قال : أراد ساقا كأنبوب بردي بين هذا النخل المذلل ، قال : وإذا كان أيام الثمرة ؛ ألح الناس على النخل بالسقي فهو حينئذ سقي ، قال : وذلك أنعم للنخيل وأجود للثمرة . وقال أبو عبيدة : السقي الذي يسقيه الماء من غير أن يتكلف له السقي . قال شمر : وسألت ابن الأعرابي عن المذلل ، فقال : ذلل طريق الماء إليه ، قال أبو منصور : وقيل : أراد بالسقي العنقر ، وهو أصل البردي الرخص الأبيض ، وهو كأصل القصب ؛ وقال العجاج :


                                                          على خبندى قصب ممكور     كعنقرات الحائر المسكور



                                                          وطريق مذلل إذا كان موطوءا سهلا . وذل الطريق : ما وطئ منه وسهل . وطريق ذليل من طرق ذلل ، وقوله تعالى : فاسلكي سبل ربك ذللا فسره ثعلب فقال : يكون الطريق ذليلا وتكون هي ذليلة ؛ وقال الفراء : " ذللا " نعت السبل ، يقال : سبيل ذلول وسبل ذلل ، ويقال : إن الذلل من صفات النحل ، أي : ذللت ليخرج الشراب من بطونها . وذلل الكرم : دليت عناقيده . قال أبو حنيفة : التدليل تسوية عناقيد الكرم وتدليتها ، والتذليل أيضا أن يوضع العذق على الجريدة لتحمله ؛ قال امرؤ القيس :


                                                          وساق كأنبوب السقي المذلل

                                                          وفي الحديث : كم من عذق مذلل لأبي الدحداح ؛ تذليل العذوق تقدم شرحه ، وإن كانت العين مفتوحة فهي النخلة ، وتذليلها تسهيل اجتناء ثمرتها وإدناؤها من قاطفها ، وفي الحديث : تتركون المدينة على خير ما كانت عليه مذللة لا يغشاها إلا العوافي ، أي : ثمارها دانية سهلة التناول مخلاة غير محمية ولا ممنوعة على أحسن أحوالها ، وقيل : أراد أن المدينة تكون مخلاة ، أي : خالية من السكان لا يغشاها إلا الوحوش . وأمور الله جارية على أذلالها ، وجارية أذلالها ، أي : مجاريها وطرقها ، واحدها ذل ؛ قالت الخنساء :


                                                          لتجر المنية بعد الفتى ال     مغادر بالمحو أذلالها



                                                          أي : لتجر على أذلالها فلست آسى على شيء بعده .

                                                          قال ابن بري : الأذلال المسالك . ودعه على أذلاله ، أي : على حاله ، لا واحد له . ويقال : أجر الأمور على أذلالها ، أي : على أحوالها التي تصلح عليها وتسهل وتتيسر . الجوهري : وقولهم جاء على أذلاله ، أي : على وجهه .

                                                          وفي حديث عبد الله : ما من شيء من كتاب الله إلا وقد جاء على أذلاله [ ص: 42 ] ، أي : على وجوهه وطرقه ؛ قال ابن الأثير : هو جمع ذل ، بالكسر . يقال : ركبوا ذل الطريق وهو ما مهد منه وذلل . وفي خطبة زياد : إذا رأيتموني أنفذ فيكم الأمر فأنفذوه على أذلاله . ويقال : حائط ذليل ، أي : قصير . وبيت ذليل إذا كان قريب السمك من الأرض . ورمح ذليل ، أي : قصير . وذلت القوافي للشاعر إذا سهلت . وذلاذل القميص : ما يلي الأرض من أسافله ، الواحد ذلذل ، مثل قمقم وقماقم ؛ قال الزفيان ينعت ضرغامة :


                                                          إن لنا ضرغامة جنادلا     مشمرا قد رفع الذلاذلا
                                                          وكان يوما قمطريرا باسلا



                                                          وفي حديث أبي ذر : يخرج من ثديه يتذلذل ، أي : يضطرب من ذلاذل الثوب وهي أسافله ، وأكثر الروايات يتزلزل ، بالزاي . والذلذل والذلذل والذلذلة والذلذل والذلذلة ، كله : أسافل القميص الطويل إذا ناس فأخلق . والذلذل : مقصور عن الذلاذل الذي هو جمع ذلك كله ، وهي الذناذن ، واحدها ذنذن .

                                                          التالي السابق


                                                          الخدمات العلمية