الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                            ( الثامن ) هذا الذي تقدم حكم بيع المساومة ، وهو إيقاف الرجل سلعته ليساومه فيها من أرادها ، وأما بيع المزايدة فقال ابن رشد في رسم القطعان من سماع أصبغ من كتاب الجعل والإجارة : الحكم فيه أن كل من زاد في السلعة لزمته بما زاد فيها إن أراد صاحبها أن يمضيها له ما لم يسترد سلعته فيبيع بعدها أخرى أو يمسكها حتى ينقضي مجلس المناداة ، وهو مخير في أن يمضيها لمن يشاء ممن أعطى فيها ، وإن كان غيره قد زاد عليه ، هذا الذي أحفظ في هذا من قول الشيخ أبي جعفر بن رزق ، وهو صحيح في المعنى لأن من حق صاحب السلعة أن يقول لمن أراد أن يلزمه إياها إن أبى وقال : بعها ممن زادك أنا لا أحب معاملة الذي زادني وليس طلبي الزيادة ، وإن وجدتها إبراء مني إليك ا هـ . ونقله ابن عرفة في الكلام على بيع الشخص على بيع أخيه من البيوع المنهي عنها ، ثم نقل عن ابن حبيب ما يقتضي أن للبائع أن يلزم المشتري بعد الافتراق في بيع المزايدة ، بخلاف بيع المساومة [ ص: 238 ] فإنه لا يلزمه بعد الافتراق ، وذكر عن المازري أنه رد التفرقة المذكورة بأن ذلك كعرف جرى بينهم ، ونص ابن حبيب إن فارق المشتري البائع في بيع المساومة دون إيجاب لم يلزمه بعد ذلك بخلاف بيع المزايدة يلزمه ما أعطى بعد الافتراق ; لأن المشتري إنما فارقه في المزايدة على أنه استوجب البيع المازري لا وجه للتفرقة إلا الرجوع للعوائد ، ولو شرط المشتري إنما يلتزم الشراء في الحال قبل المفارقة ، أو شرط البائع لزومه له أو أنه بالخيار في أن يعرضها على غيره أمدا معلوما أو في حكم معلوم لزم الحكم بالشرط في بيع المساومة والمزايدة اتفاقا ، وإنما افترقا للعادة حسبما علل به ابن حبيب الفرق بينهما .

                                                                                                                            قال المازري وإنما نبهت على هذا ; لأن بعض القضاة ألزم بعض أهل الأسواق في بيع المزايدة بعد الافتراق ، وكانت عادتهم الافتراق على غير إيجاب اغترارا بظاهر قول ابن حبيب وحكاية غيره فنهيته عن هذا لأجل مقتضى عوائدهم ، قال ابن عرفة قلت : والعادة عندنا اللزوم ما لم يطل زمن المبايعة حسبما تقرر قدر ذلك عندهم ، والأمر واضح إن بعد والسلعة ليست في يد المبتاع ، فإن كانت بيده وموقوفة ففيه نظر والأقرب اللزوم ، كقولها : إن بعد زمن مضي أيام الخيار والسلعة في يد البائع والخيار للمبتاع أن لا حق فيها للمبتاع إلا إن عرفنا في بيع المزايدة أنه لا يتم العقد ، ولو طال مكثها بيد المبتاع إلا بنص إمضائه ا هـ ، وقال ابن راشد في المذهب إذا وقع النداء وأعطي على السلعة فيها ثمنا لزمه والخيار للبائع ، فإن زاد عليه غيره انتقل اللزوم للثاني ، ولم يزد عليه أحد فللبائع أخذه بذلك ما لم تطل غيبته ، ورأيت للأبياني أن الشراء لا يلزمه إذا زاد عليه غيره ا هـ . ونحوه في اللباب إلا أنه لم يذكر كلام الأبياني ، والظاهر أنه يريد بقوله : انتقل اللزوم للثاني أي مع مشاركة الأول له في اللزوم أيضا كما تقدم في كلام ابن رشد بدليل أنه جعل كلام الأبياني مخالفا له فتأمله والله أعلم .

                                                                                                                            وما ذكره عن الأبياني رأيته في مسائل السماسرة له ، وهو كتاب مفيد نحو كراس ، وظاهر كلام ابن راشد أن المذهب ما قاله ابن رشد ولم يذكر ابن عرفة غير كلام ابن رشد .

                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                            الخدمات العلمية