الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
[ ص: 353 ] كتاب السرقة [ ص: 354 ] السرقة في اللغة أخذ الشيء من الغير على سبيل الخفية والاستسرار ، ومنه استراق السمع ، قال الله تعالى {إلا من استرق السمع } وقد زيدت عليه أوصاف في الشريعة على ما يأتيك بيانه إن شاء الله تعالى . والمعنى اللغوي مراعى فيها ابتداء وانتهاء أو ابتداء لا غير ، [ ص: 355 ] كما إذا نقب الجدار على الاستسرار وأخذ المال من المالك مكابرة على الجهار . وفي الكبرى : أعني قطع الطريق مسارقة عين الإمام لأنه هو المتصدي لحفظ الطريق بأعوانه . وفي الصغرى : مسارقة عين المالك أو من يقوم مقامه .

التالي السابق


( كتاب السرقة ) . لما كان المقصود من الحدود الانزجار عن أسبابها بسبب ما اشتملت عليه من المفاسد روعي في ترتيبها [ ص: 354 ] في التعليم ترتب أسبابها في المفاسد ، فما كانت مفسدته أعظم يقدم على ما هو أخف لأن تعليمه وتعلمه أهم . وأعظم المفاسد ما يؤدي إلى فوات النفس وهو الزنا لما تقدم من وجه كونه قتلا معنى . ويليه ما يؤدي إلى فوات العقل وهو الشرب لأنه كفوات النفس من حيث إن عديم العقل لا ينتفع بنفسه كعديم النفس . ويليه ما يؤدي إلى إفساد العرض وهو القذف فإنه أمر خارج عن الذات يؤثر فيها ويلزق أمرا قبيحا . ويليه ما يؤدي إلى إتلاف المال فإنه الأمر المخلوق وقاية للنفس والعرض فكان آخرا فأخره . وللسرقة تفسير لغة وهو ما ذكر في الكتاب ، وهو أخذ الشيء من الغير على وجه الخفية ، ومنه استراق السمع وهو أن يستمع مستخفيا .

وفي الشريعة هي هذا أيضا ، وإنما زيد على مفهومها قيود في إناطة حكم شرعي بها ، إذ لا شك أن أخذ أقل من النصاب خفية سرقة شرعا لكن لم يعلق الشرع به حكم القاطع فهي شروط لثبوت ذلك الحكم الشرعي ، فإذ قيل السرقة الشرعية الأخذ خفية مع كذا وكذا لا يحسن ، بل السرقة التي علق بها الشرع وجوب القطع هي أخذ العاقل البالغ عشرة دراهم أو مقدارها خفية عمن هو متصد للحفظ مما لا يتسارع إليه الفساد من المال المتمول للغير من حرز بلا شبهة ، وتعمم الشبهة في التأويل قيل : فلا يقطع السارق من السارق ولا أحد الزوجين من الآخر أو ذي الرحم الكاملة ، والنقل خلاف الأصل لا يصار إليه حتى يتعين بما لا مرد له كالصلاة على ما هو المذهب المختار عند الأصوليين ، وما قيل هي في مفهومها اللغوي والزيادات شروط غير مرضي .

والقطع بأنها للأفعال والقراءة عندنا ولو بغير الفاتحة فكيف يقال إنها في الشرع للدعاء والأفعال شرط قبوله ; والفرض أنه لا يتبادر الدعاء قط ، هذا وسيأتي في السارق من السارق خلاف ( قوله والمعنى اللغوي ) يعني الخفية ( مراعى فيها إما ابتداء وانتهاء ) وذلك في سرقة النهار في المصر ( أو ابتداء لا غير ) وهي في سرقة الليل ، فلذا إذا دخل البيت ليلا خفية ثم أخذ المال مجاهرة ولو بعد مقاتلة ممن في يده قطع به [ ص: 355 ] للاكتفاء بالخفية الأولى ، وإذا كابره في المصر نهارا وأخذ ماله لا يقطع استحسانا وإن كان دخل خفية ، والقياس كذلك في الليل ، لكن يقطع إذ غالب السرقات في الليل تصير مغالبة إذ قليلا ما يختفي في الدخول والأخذ بالكلية ، وعليه فرع إذا كان صاحب الدار يعلم دخوله واللص لا يعلم كونه فيها أو يعلمه اللص وصاحب الدار لا يعلم دخوله أو كانا لا يعلمان قطع ، ولو علما لا يقطع .

ولما كانت السرقة تشمل الصغرى والكبرى والخفية المعتبرة في الصغرى هي الخفية عن عين المالك أو من يقوم مقامه كالمودع والمستعير والضارب والغاصب والمرتهن كانت الخفية معتبرة في الكبرى مسارقة عين الإمام ومنعة المسلمين الملتزم حفظ طرق المسلمين وبلادهم وركنها نفس الأخذ المذكور . وأما شرط ثبوت الحكم ومنها تفصيل النصاب فيأتي في أثناء المسائل .




الخدمات العلمية