الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                            ص ( فصل علة طعام الربا اقتيات وادخار وهل لغلبة العيش تأويلان )

                                                                                                                            ش : تقدم أن الربا يدخل في النقود وفي المطعومات فلما انقضى الكلام على النوع الأول أتبعه بالكلام على النوع الثاني وقد تقدم أن ربا الفضل يدخل هنا في الطعام الربوي فأخذ يبينه بأن بين علة الربا ما هي والأصل في هذا قوله صلى الله عليه وسلم { البر بالبر والشعير بالشعير ، والتمر بالتمر والملح بالملح مثلا بمثل يدا بيد فمن زاد أو استزاد فقد أربى فإذا اختلفت الأصناف فبيعوا كيف شئتم إذا كان يدا بيد } وفي رواية الآخذ والمعطي فيه سواء وقصر أهل الظاهر على هذه المسميات لنفيهم القياس وأما من يقول بالقياس فلا خلاف بينهم أن الحكم ليس مقصورا عليها ، وإنما اختلفوا في العلة المقتضية للمنع حتى [ ص: 346 ] يقاس عليها وقد اختلف فيها على عشرة أقوال : ذكر المصنف منها قولين ( الأول ) أنها الاقتيات والادخار قال ابن الحاجب : وعليه الأكثر قال بعض المتأخرين : وهو المعول عليه في المذهب وتأول ابن رشد المدونة عليه قال بعض المتأخرين : وهو المشهور من المذهب ومعنى الاقتيات أن يكون الطعام مقتاتا ، أي تقوم به البنية ، ومعنى الادخار : أن لا يفسد بتأخيره إلا أن يخرج التأخير عن العادة .

                                                                                                                            والقول الثاني أن العلة الاقتيات والادخار ، وكونه متخذا للعيش غالبا ، وهذا القول للقاضيين أبي الحسن بن القصار وعبد الوهاب وعبر عنه صاحب التنبيهات بالمقتات المدخر الذي هو أصل للمعاش غالبا ونسبه للبغداديين ، قال : وتأول أبو جعفر بن زرب المدونة عليه ، ثم ذكر القول الأول ، فقال : وذهب كثير من شيوخنا إلى أنه لا يلزم التعليق بكونه أصلا للعيش ، وإنما المراد ادخاره غالبا ، وكونه قوتا ، قال : وعلى اختلاف التعليلين اختلف أهل المذهب في البيض والتين ; لأنهما مدخران بأن يشوى ويجعل في خل أو غيره وقيل : غير مدخر وقيل : غير مقتات ، وقيل : مقتات ، كما يأتي قال في التوضيح : والخلاف فيه خلاف في شهادة فقول المصنف : وهل لغلبة العيش معناه هل العلة الاقتيات ، وإنما اقتصر المصنف على هذين القولين ; لأن الفروع التي يذكرها مبنية على كل منهما فسيذكر أن التين ليس ربويا ، وهذا مبني على القول الثاني ويذكر أن البيض ربوي ، وهذا مبني على القول الأول ، وترك المصنف بقية الأقوال لضعفها عنده ولا بأس بذكرها .

                                                                                                                            فقال القاضي إسماعيل : العلة الاقتيات وما يصلحه ، وقال ابن نافع الادخار ، وروي عن مالك غلبة الادخار ويظهر الفرق بينه ، وبين مقابله في العنب الذي لا يتربب فعلى الادخار يخرج وعلى غلبته يدخل ، وقال الأبهري : العلة الاقتيات والادخار أو التفكه ، والادخار وقيل : العلة المالية فلا يباع ثوب بثوبين ، ونسب لابن الماجشون قال ابن بشير ، وهذا يوجب الربا في الدور والأرضين ولا يمكن قوله : وقيل العلة مالية الزكاة ونسب ، لربيعة ، وقال أبو حنيفة العلة الكيل ، وقال الشافعي الطعم .

                                                                                                                            ( تنبيهات الأول ) قال ابن ناجي : ولا حد للادخار على ظاهر المذهب ، وإنما يرجع فيه إلى العرف وحكى التادلي أنه سمع في بعض المجالس أن حده ستة أشهر فأكثر .

                                                                                                                            ( الثاني ) قال في التنبيهات لا بد مع الادخار من شرط العادة فيه ولا يلتفت إلى ما ادخاره نادر فيجوز التفاضل في الجوز والرمان ، وهذا نص المدونة ومشهور المذهب ، وروى ابن نافع كراهة التفاضل فيهما ; لأنه مدخر ، وييبس .

                                                                                                                            ( الثالث ) لا بد أن يقال على كل من القولين اللذين ذكرهما المصنف وفي معنى الاقتيات ما يصلح للقوت ليدخل الملح والتوابل .

                                                                                                                            ( الرابع ) هذا تفسير للطعام الذي يحرم فيه ربا الفضل وربا النساء وأما الطعام الذي يحرم فيه ربا النساء فقط ولا يحرم فيه ربا التفاضل فهو ، كما قال ابن عرفة ما غلب اتخاذه لأكل آدمي أو لإصلاحه أو لشربه فيدخل الملح والفلفل ونحوهما ، واللبن لا الزعفران ، وإن أصلح لعدم اتخاذه لإصلاحه والماء كذلك ، والأول أعني ما يحرمان فيه هو الذي يسمى ربويا بخلاف الثاني فإنه لا يسمى ربويا ، وإن دخله نوع من الربا وكأنه ، والله أعلم لما استكمل الأول من نوعي الربا نسب إليه .

                                                                                                                            ( الخامس ) تخصيصه صلى الله عليه وسلم في الحديث الأربعة المذكورة بالذكر لينبه بالبر على كل مقتات في حال الرفاهية وتعم الحاجة إليه وبالشعير على كل ما يقتات في حال الشدة كالدخن والذرة وعلى أنه لا يخرجه عن الاقتيات ، وإن انفرد بصفة أخرى لكونه علفا وبالتمر على كل ما يقتات وفيه حلاوة ، ويستعمل فاكهة في بعض الأمصار كالزبيب والعسل وبالملح على كل مصلح القوت ، وإن كان لا يستعمل منه إلا القليل

                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                            الخدمات العلمية