الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            ( 3762 ) مسألة ; قال : ( ولو أمره أن يدفع إلى رجل مالا ، فادعى أنه دفعه إليه ، لم يقبل قوله على الآمر إلا ببينة )

                                                                                                                                            وجملته أن الرجل إذا وكل وكيلا في قضاء دينه ، ودفع إليه مالا ليدفعه إليه ، فادعى الوكيل قضاء الدين ودفع المال إلى الغريم ، لم يقبل قوله على الغريم إلا ببينة ; لأنه ليس بأمينه ، فلم يقبل قوله عليه في الدفع إليه ، كما لو ادعى الموكل ذلك . فإذا حلف الغريم ، فله مطالبة الموكل ; لأن ذمته لا تبرأ بدفع المال إلى وكيله .

                                                                                                                                            فإذا دفعه فهل للموكل الرجوع على وكيله ؟ ينظر ، فإن ادعى أنه قضى الدين بغير بينة ، فللموكل الرجوع عليه إذا قضاه في غيبة الموكل . قال القاضي : سواء صدقه أنه قضى الحق أو كذبه وهذا قول الشافعي لأنه أذن له في قضاء يبرئه ، ولم يوجد . وعن أحمد رواية أخرى : لا يرجع عليه بشيء ، إلا أن يكون أمره بالإشهاد فلم يفعل . فعلى هذه [ ص: 66 ] الرواية ، إن صدقه الموكل في الدفع ، لم يرجع عليه بشيء ، وإن كذبه ، فالقول قول الوكيل مع يمينه . وهذا قول أبي حنيفة ووجه لأصحاب الشافعي ; لأنه ادعى فعل ما أمر به موكله ، فكان القول قوله ، كما لو أمره ببيع ثوبه ، فادعى أنه باعه .

                                                                                                                                            ووجه الأول أنه مفرط بترك الإشهاد ، فضمن كما لو فرط في البيع بدون ثمن المثل . فإن قيل : فلم يأمره بالإشهاد ؟ قلنا إطلاق الأمر بالقضاء يقتضي ذلك ; لأنه لا يثبت إلا به ، فيصير كأمره بالبيع والشراء ، يقتضي ذلك العرف لا العموم . كذا هاهنا . وقياس القول الآخر يمكن القول بموجبه . وأن قوله مقبول في القضاء ، لكن لزمه الضمان لتفريطه ، لا لرد قوله وعلى هذا ، لو كان القضاء بحضرة الموكل ، لم يضمن الوكيل شيئا ; لأن تركه الإشهاد والاحتياط رضى منه بما فعل وكيله .

                                                                                                                                            وكذلك لو أذن له في القضاء بغير إشهاد ، فلا ضمان على الوكيل ; لأن صريح قوله يقدم على ما تقتضيه دلالة الحال . وكذلك إن أشهد على القضاء عدولا فماتوا أو غابوا ، فلا ضمان عليه ; لعدم تفريطه .

                                                                                                                                            وإن أشهد من يختلف في ثبوت الحق بشهادته ، كشاهد واحد ، أو رجل وامرأتين ، فهل يبرأ من الضمان ؟ يخرج على روايتين . وإن اختلف الوكيل والموكل فقال : قضيت الدين بحضرتك . قال : بل في غيبتي ، أو قال : أذنت لي في قضائه بغير بينة . فأنكر الإذن أو قال : أشهدت على القضاء شهودا فماتوا . فأنكره الموكل ، فالقول قول الموكل ; لأن الأصل معه .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية