الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
[ ص: 181 ] باب

ذكر نقط ما نقص هجاؤه

. . . زائدة . والتي بعد الراء التي هي همزة ساكنة ، وهي لام ، فللإيجاز والاختصار ، وتقليل صور حروف الاعتلال التي هي حروف المد والهمز في هذه الكلمة ؛ لثقل هذه الحروف وتخصيصها بالتغيير . مع أن الألف الأولى صوت ، وقد تنوب عنها الفتحة التي هي منها ، وتدل عليها ، وأن الألف الثانية همزة ، والهمزة حرف من سائر الحروف ، والحرف مستغن عن الصورة .

فإذا نقط ذلك أثبتت الألفان بالحمراء ، وجعلت الهمزة نقطة بالصفراء ، وعلامة السكون عليها ، في الثانية منهما .

* * *

وأما رسم " يبنؤم " كلمة واحدة ، وهو في الأصل ثلاث كلم : ( يا ) كلمة ، و ( ابن ) كلمة ، و ( أم ) كلمة ؛ فعلى مراد الوصل ، وتحقيق [ ص: 182 ] اللفظ . فلذلك حذفت ألف ( يا ) وألف ( ابن ) لعدمهما في النطق بكون الأولى ساكنة ، والثانية للوصل . وقد اتصلتا بالباء الساكنة من ( ابن ) . وصورت همزة ( أم ) المبتدأة واوا ؛ لما وصلت بما قبلها ، كما تصور الهمزة المضمومة المتوسطة في نحو : يكلؤكم ، و يذرؤكم ، و نقرؤه ، وشبهه سواء . فصار ذلك كلمة واحدة ، وخرج رسمه على لفظه دون أصله .

فإذا نقط جعلت الهمزة نقطة بالصفراء في الواو ، وجعلت حركتها نقطة بالحمراء أمامها .

* * *

وأما رسم " إنا برءؤا " بالواو والألف ، وحذف صورة الهمزة الأولى وصورة الألف بعدها التي هي بعد اللام في بناء " فعلاء " فلأسباب قد ذكرنا بعضها .

أما حذف صورة الهمزة فلاستغناء الهمزة عن الصورة ، من حيث كانت حرفا قائما بنفسه كسائر الحروف . وأما حذف الألف بعدها فلزيادتها في الاسم ، إذ ليست بفاء منه ولا بعين ولا بلام ، وأنها صوت ، فحذفت اختصارا .

وأما إثبات الواو فللمعاني التي ذكرناها في نظائر ذلك قبل . ومن أحسنها أن تكون صورة للهمزة المضمومة ، على مراد وصلها بما بعدها . فلذلك صورت [ ص: 183 ] بالحرف الذي منه حركتها ، والذي تقرب في حال التسهيل منه ، وهو الواو . كما صورت بذلك في نحو قوله : يذرؤكم ، و يكلؤكم ، و تؤزهم ، وشبهه من المتصل ، من حيث كان المنفصل بالمراد والنية كالمتصل . وكانت العرب قد أجرته مجراه في كثير من كلامها . وحكمت للشيء بحكم الشيء إذا اشتبها من بعض الجهات .

وأما إثبات الألف بعد الواو فللمعنيين المذكورين ، وهما : شبه هذه الواو بواو الضمير في الصورة ولزوم الطرف ، وتقوية الهمزة بها ، فلذلك أثبتت بعدها . وأيضا فإنه لما حذف من هذه الكلمة بعد عينها صورتان ، اختصارا وتخفيفا ، زيد بعد لامها صورتان ، دلالة وتبيينا ، ليستوي بذلك عدد حروفها في الكتابة ، مع تضمنها المعاني المذكورة .

فإذا نقط ذلك على هذا المذهب جعلت الهمزة في الواو ، وجعلت حركتها أمامها ، وجعل على الألف بعدها دارة ؛ علامة لزيادتها . ورسم بين الراء والواو ألف بالحمراء ، وجعلت الهمزة المفتوحة بينها وبين الراء في السطر ، وجعلت فتحتها عليها ، وجعلت مطة على تلك الألف .

* * *

[ ص: 184 ] واتفقت المصاحف على حذف الواو التي هي صورة الهمزة في قوله : " الرءيا " ، و " رءياك " ، و " رءياي " في جميع القرآن ، على مراد تحقيقها دون تسهيلها . وذلك من حيث كانت الهمزة حرفا من سائر الحروف ، فاستغنت بذلك في حال تحقيقها عن الصورة .

فإذا نقط ذلك جعلت الهمزة بين الراء والياء في بياض السطر ، وجعل عليها علامة السكون جرة . وإن صورت الواو بالحمراء ، وجعلت الهمزة فيها ؛ فحسن .

* * *

ورأيت مصاحف أهل العراق وأهل بلدنا قد اتفقت على حذف ألف البناء ، وصورة الهمزة المضمومة والمكسورة بعدها في قوله في ( البقرة ) : " أوليئهم الطاغوت " ، وفي ( الأنعام ) : " وقال أوليئهم " ، و " إلى أوليئهم " ، وفي ( الأحزاب ) : " إلى أوليئكم " ، وفي ( فصلت ) : " نحن أوليئكم " .

فأما حذف الألف فلكونها متوسطة زائدة ، إذ هي للبناء لا غير . وأما حذف صورة الهمزة فلكون الهمزة حرفا قائما بنفسه ، لا يحتاج إلى صورة .

فإذا نقط ذلك أثبتت الألف بالحمراء ، وجعلت الهمزة بعدها في السطر ، [ ص: 185 ] وجعلت ضمتها أمامها ، وكسرتها تحتها . وإن صورت الواو والياء ، وجعلت الهمزة فيهما ؛ فحسن .

قال ابن المنادي : في المصاحف العتق : " أوليئهم من الإنس " ، و " ليوحون إلى أوليئهم " ، و " إن أوليئه إلا المتقون " .

قال : وهذا عندنا مما نظر إليه عثمان - رحمه الله - ، فقال : أرى في المصحف لحنا ، وستقيمه العرب بألسنتها . فأوجب ذلك من القول أن من الخط المكتوب ما لا تجوز به القراءة من وجه الإعراب ، وأن حكمه أن يترك على ما خط ، ويطلق للقارئين أن يقرؤوا بغير الذي يرونه مرسوما .

وغير جائز عندنا أن يرى عثمان - رضي الله عنه - شيئا في المصحف يخالف رسم الكتابة ، مما لا وجه له فيها بحيلة ، فيتركه على حاله ، ويقره في مكانه ، ويقول : إن في المصحف لحنا ، وستقيمه العرب بألسنتها . إذ لو كان ذلك جائزا لم يكن للكتابة معنى ، ولا كان فيها فائدة ، بل كانت تكون وبالا ؛ لاشتغال القلوب بها . ومعنى قوله - رحمه الله - هو ما ذكرناه مشروحا في كتابنا المصنف في المرسوم .

[ ص: 186 ] وعلة هذه الحروف وغيرها ، من الحروف المرسومة على خلاف ما يجري به رسم الكتاب من الهجاء في المصحف ، الانتقال من وجه معروف مستفيض إلى وجه آخر مثله في الجواز والاستعمال . وإن كان المنتقل عنه أظهر معنى ، وأكثر استعمالا .

* * *

[ ص: 187 ] ورسم في جميع المصاحف قوله : " لإيلف قريش " بياء بعد الهمزة . ورسم " إلفهم " بغير ياء . ولم ترسم الألف بعد اللام في الحرفين اختصارا .

فإثبات الياء في الأول على الأصل ، من حيث كان مصدرا لقولك : " آلف يؤلف إيلافا " مثل " آمن يؤمن إيمانا " ، فالياء فاء .

وحذف الياء في الثاني من وجوه : منها أن يكون مصدرا لـ " آلف " مثل الأول . إلا أن الياء التي هي فاء حذفت اختصارا ، لدلالة الكسرة قبلها عليها . ومنها أن يكون مصدرا لـ ألف على مثل فعل ، ومصدره في ذلك على وجهين قد قرئ بهما ، وهما : " إلافا " مثل قولك كتابا ، و " إلفا " مثل قولك : علما . وإذا كان مصدرا لذلك لم تكن فيه ياء ؛ لأن الهمزة في أوله هي فاء الفعل .

[ ص: 188 ] وقد قرأ ابن عامر في الأول بحذف الياء ، جعله مصدرا لـ ألف .

فإذا نقط الحرف الأول ، على غير قراءة ابن عامر ؛ جعلت الهمزة في الألف المختلطة باللام ، وجعلت حركتها من تحتها .

وإذا نقط على قراءة ابن عامر ؛ فعلى وجهين : أحدهما أن تجعل الهمزة وحركتها في الألف أيضا ، وتجعل على الياء دارة علامة لزيادتها في الخط وذهابها من اللفظ . والثاني أن تجعل الهمزة وحركتها في الياء ، وتجعل على الألف دارة علامة لزيادتها . وكل ما ذكرناه من الوجوه والمعاني في " ملإيه " ، و " ملإيهم " فهي جائزة في ذلك على قراءته .

وإذا نقط الحرف الثاني جعلت الهمزة وحركتها في الألف ، ورسمت الياء بعدها ؛ ليتأدى بذلك لفظها ، على قراءة الجماعة .

* * *

ورسم في كل المصاحف "الصلاوة" ، و "الزكاوة" ، و "الحياوة" ، [ ص: 189 ] و "بالغداوة" ، و "كمشكاوة"، و "النجاوة "، و "مناوة" بالواو على الأصل ، أو على لغة أهل الحجاز الذي يفرطون في تفخيم الألف وما قبلها في ذلك .

فإذا نقط ذلك جعل على الواو ألف بالحمراء ؛ ليدل على استقرارها في اللفظ دون الواو .

وكذا يفعل بسائر ما رسم من ألفات التأنيث والألفات المنقلبات عن الياء ، بالياء . تجعل على الياء ألف حمراء ، ليدل على أن لفظ الياء انقلب إليها ، نحو قوله : "أبى" ، و "لا يخفى" ، و "فسوايهن" ، و "سمايكم" ، و "ذكرايهم" ، و "ذكرايها"، و الذكرى ، و لليسرى ، و الموتى ، وشبهه .

وهذا ما لم يلق الألف المرسومة ياء ساكن ، فإن لقيها لم تجعل الألف على الياء ، لعدمها في حال الاتصال ، وذلك نحو قوله : نرى الله ، و " الكبرى اذهب " ، وشبهه .

[ ص: 190 ] وكذا تلحق الألفات المحذوفات من الرسم اختصارا بالحمراء ، في المتفق عليه والمختلف فيه .

فالمتفق عليه نحو : " العالمين " ، و " الكافرين " ، و " الفاسقين " ، و أولئك ، و " الملائكة " ، و " لإيلف قريش إلافهم " ، و " الاتي دخلتم " ، و " الائي تظاهرون " ، وشبهه . وهذا الضرب كثير الدور في القرآن .

والمختلف فيه نحو : " ملك يوم الدين " ، و " ما يخدعون " ، و فأزلهما ، و خطيئته ، و دفع الله ، و " قاتلوا وقتلوا " ، [ ص: 191 ] و قياما ، و حاشا لله ، و " أصلوتك " ، و " حاذرون ، و " فارهين ، و فكهين ، و إليكم السلام ، و ذريتهم ، [ ص: 192 ] و درست ، و فرقوا ، و على مكانتكم ، وشبهه ، وهو كثير جدا . وقد ذكرنا أصل جميعه في كتابنا المصنف في المرسوم .

وكذا أيضا تلحق الياءات المحذوفة على قراءة من أثبتهن في الوصل دون الوقف ، أو في الوصل والوقف ، نحو قوله : الداع إذا دعان ، و " واتقون يأولي الألباب " ، و " اخشون " ، و يوم يأت ، و المتعال ، وشبهه ، مما قد ذكرنا جميعه في المرسوم وغيره . وبالله التوفيق .

.

التالي السابق


الخدمات العلمية