الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            ( 3981 ) مسألة ; قال : ( ولو غصبها حاملا ، فولدت في يده ، ثم مات الولد ، أخذها سيدها وقيمة ولدها ، أكثر ما كانت قيمته ) الكلام في هذه المسألة في أمرين ; أحدهما ، أنه إذا غصب حاملا من الحيوان ، أمة أو غيرها ، فالولد مضمون ، كذلك لو غصب حائلا ، فحملت عنده ، وولدت ، ضمن ولدها .

                                                                                                                                            وبهذا قال الشافعي وقال أبو حنيفة ومالك لا يجب ضمان الولد في الصورتين ; لأنه ليس بمغصوب ، إذ الغصب فعل محظور ، ولم يوجد ، فإن الموجود ثبوت اليد عليه ، وليس ذلك من فعله ; لأنه انبنى على وجود الولد ، ولا صنع له فيه . ولنا ، أن من ضمن خارج الوعاء ضمن ما فيه ، كالدرة في الصدفة ، والجوز ، واللوز ; ولأنه مغصوب فيضمن ، كالأم ، فإن الولد إما أن يكون مودوعا في الأم ، كالدرة في الحقة ، وإما أن يكون كأجزائها ، وفي كلا الموضعين ، الاستيلاء على الظرف ، والاستيلاء على الجملة استيلاء على الجزء المطروق ، فإن أسقطته ميتا ، لم يضمنه ; لأنه لا تعلم حياته ، ولكن يجب ما نقصت الأم عن كونها حاملا ، وأما إذا حدث الحمل ، فقد سبق الكلام فيه .

                                                                                                                                            الأمر الثاني ، أنه يلزمه رد الموجود من المغصوب وقيمة التالف ، فإن كانت قيمة التالف لا تختلف من حين الغصب إلى حين الرد ، ردها ، وإن كانت تختلف ، نظرنا ; فإن كان اختلافهما لمعنى فيه ، من كبر وصغر ، وسمن وهزال وتعلم ونسيان ، ونحو ذلك من المعاني التي تزيد بها القيمة وتنقص ، فالواجب القيمة أكثر ما كانت ، لأنها مغصوبة في الحال التي زادت فيها ، والزيادة لمالكها مضمونة على الغاصب ، على ما قررناه فيما مضى ، فإن كانت زائدة حين تلفها ، لزمته قيمتها حينئذ ; لأنه كان يلزمه ردها زائدة ، فلزمته قيمتها كذلك ، وإن كانت زائدة قبل تلفها ، ثم نقصت عند تلفها ، لزمه قيمتها حين كانت زائدة ; لأنه لو ردها ناقصة للزمه أرش نقصها ، وهو [ ص: 162 ] بدل الزيادة ، فإذا ضمن الزيادة مع ردها ، ضمنها عند تلفها ، فإن كان اختلافها لتغير الأسعار ، لم يضمن الزيادة ; لأن نقصان القيمة لذلك لا يضمن مع رد العين ، فلا يضمن عند تلفها .

                                                                                                                                            وحمل القاضي قول الخرقي على ما إذا اختلفت القيمة لتغير الأسعار . وهو مذهب الشافعي لأن أكثر القيمتين فيه للمغصوب منه ، فإذا تعذر ردها ضمنها ، كقيمته يوم التلف ، وإنما سقطت القيمة مع رد العين . والمذهب الأول ; لما ذكرنا ، وتفارق هذه الزيادة زيادة المعاني ; لأن تلك تضمن مع رد العين ، فكذلك مع تلفها ، وهذه لا تضمن مع رد العين ، فكذلك مع تلفها .

                                                                                                                                            وقولهم : إنها سقطت برد العين . لا يصح ; لأنها لو وجبت لما سقطت بالرد ، كزيادة السمن والتعلم . قال القاضي : ولم أجد عن أحمد رواية بأنها تضمن بأكثر القيمتين ; لتغير الأسعار . فعلى هذا تضمن بقيمتها يوم التلف . رواه الجماعة عن أحمد وعنه أنها تضمن بقيمتها يوم الغصب . وهو قول أبي حنيفة ومالك ، لأنه الوقت الذي أزال يده عنه فيه فيلزمه القيمة حينئذ ، كما لو أتلفه .

                                                                                                                                            ولنا ، أن القيمة إنما تثبت في الذمة حين التلف ; لأن قبل ذلك كان الواجب رد العين دون قيمتها ، فاعتبرت تلك الحالة ، كما لو لم تختلف قيمته . وما ذكروه لا يصح ; لأن إمساك المغصوب غصب ، فإنه فعل يحرم عليه تركه في كل حال ، وما روي عن أحمد من اعتبار القيمة بيوم الغصب ، فقال الخلال : جبن أحمد عنه . كأنه رجع إلى قوله الأول .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية