الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            ( 4031 ) مسألة ; قال : ( وإن علم وهو في السفر ، فلم يشهد على مطالبته ، فلا شفعة له ) ظاهر هذا أنه متى علم الغائب بالبيع ، وقدر على الإشهاد وعلى المطالبة فلم يفعل ، أن شفعته تسقط ، سواء قدر على التوكيل أو عجز عنه ، أو سار عقيب العلم أو أقام . وهو ظاهر كلام أحمد ، في رواية أبي طالب ، في الغائب : له الشفعة إذا بلغه أشهد ، وإلا فليس له شيء .

                                                                                                                                            وهو وجه للشافعي ، والوجه الآخر لا يحتاج إلى الإشهاد ; لأنه ثبت عذره ، فالظاهر أنه ترك الشفعة لذلك . فقبل قوله فيه . ولنا ، أنه قد يترك الطلب للعذر ، وقد يتركه لغيره ، وقد يسير لطلب الشفعة ، وقد يسير لغيره ، وقد قدر أن يبين ذلك بالإشهاد ، فإذا لم يفعل سقطت شفعته ، كتارك الطلب مع حضوره . وقال القاضي : إن سار عقيب علمه إلى البلد الذي فيه المشتري من غير إشهاد ، احتمل أن لا تبطل شفعته ; لأن ظاهر سيره أنه للطلب . وهو قول أصحاب الرأي ، والعنبري ، وقول للشافعي .

                                                                                                                                            وقال أصحاب الرأي : له من الأجل بعد العلم قدر السير ، فإن مضى الأجل قبل أن يبعث أو يطلب ، بطلت شفعته . وقال العنبري : له مسافة الطريق ذاهبا وجائيا ; لأن عذره في ترك الطلب ظاهر ، فلم يحتج معه إلى الشهادة . وقد ذكرنا وجه قول الخرقي .

                                                                                                                                            ولا خلاف في أنه إذا عجز عن الإشهاد في سفره ، أن شفعته لا تسقط ; لأنه معذور في تركه ، فأشبه ما لو ترك الطلب لعذر أو لعدم العلم ، ومتى قدر على الإشهاد فأخره ، كان كتأخير الطلب للشفعة ، إن كان لعذر لم تسقط الشفعة ، وإن كان لغير عذر سقطت ; لأن الإشهاد قائم مقام الطلب ، ونائب عنه ، فيعتبر له ما يعتبر للطلب .

                                                                                                                                            ومن لم يقدر إلا على إشهاد من لا تقبل شهادته ، كالصبي والمرأة والفاسق ، فترك الإشهاد ، لم تسقط شفعته بتركه ; لأن قولهم غير معتبر ، فلم يلزم إشهادهم كالأطفال والمجانين . وإن لم يجد من يشهده إلا من لا يقدم معه إلى موضع المطالبة ، فلم يشهد ، فالأولى أن شفعته لا تبطل ; لأن إشهاده لا يفيد ، فأشبه إشهاد من لا تقبل شهادته .

                                                                                                                                            فإن لم يجد إلا مستوري الحال ، فلم يشهدهما ، احتمل أن تبطل شفعته ; لأن شهادتهما يمكن إثباتها بالتزكية ، فأشبها العدلين ، ويحتمل أن لا تبطل ; لأنه يحتاج في إثبات شهادتهما إلى كلفة كثيرة ، وقد لا يقدر على ذلك ، فلا تقبل شهادتهما ، وإن أشهدهما لم تبطل شفعته ، سواء قبلت شهادتهما أو لم تقبل ; لأنه لم يمكنه أكثر من ذلك ، فأشبه العاجز عن الإشهاد . وكذلك إن لم يقدر إلا على إشهاد واحد ، فأشهده ، أو ترك إشهاده .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية