الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                صفحة جزء
                                                                                                                باب التلبية وصفتها ووقتها

                                                                                                                1184 حدثنا يحيى بن يحيى التميمي قال قرأت على مالك عن نافع عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أن تلبية رسول الله صلى الله عليه وسلم لبيك اللهم لبيك لبيك لا شريك لك لبيك إن الحمد والنعمة لك والملك لا شريك لك قال وكان عبد الله بن عمر رضي الله عنهما يزيد فيها لبيك لبيك وسعديك والخير بيديك لبيك والرغباء إليك والعمل

                                                                                                                التالي السابق


                                                                                                                ( باب التلبية وصفتها ووقتها )

                                                                                                                قال القاضي : قال المازري : التلبية مثناة للتكثير والمبالغة ، ومعناه : إجابة بعد إجابة ، ولزوما لطاعتك فتثنى للتوكيد لا تثنية حقيقية ، بمنزلة قوله تعالى : بل يداه مبسوطتان أي : نعمتاه ، على تأويل اليد بالنعمة هنا ، ونعم الله تعالى لا تحصى ، وقال يونس بن حبيب البصري : ( لبيك ) اسم مفرد لا مثنى ، قال : وألفه إنما انقلبت ياء لاتصالها بالضمير ( كلدي ) وعلى مذهب سيبويه أنه مثنى بدليل قلبها ياء مع المظهر ، وأكثر الناس على ما قاله سيبويه قال ابن الأنباري : ثنوا ( لبيك ) كما ثنوا ( حنانيك ) أي : تحننا بعد تحنن وأصل [ ص: 264 ] ( لبيك ) : لببتك فاستثقلوا الجمع بين ثلاث باءات ، فأبدلوا من الثالثة ياء كما قالوا : من الظن ( تظنيت ) ، والأصل ( تظننت ) .

                                                                                                                واختلفوا في معنى لبيك واشتقاقها ، فقيل : معناها : اتجاهي وقصدي إليك ، مأخوذ من قولهم : داري تلب دارك ، أي : تواجهها ، وقيل : معناها : محبتي ، قولهم : ( لك ) مأخوذ من قولهم : امرأة لبة ، إذا كانت محبة لولدها ، عاطفة عليه ، وقيل : معناها : إخلاص لك ، مأخوذ من قولهم : ( حسب لباب ) إذا كان خالصا محضا ، ومن ذلك ( لب الطعام ولبابه ) وقيل : معناها : ( أنا مقيم على طاعتك وإجابتك ) ، مأخوذ من قولهم : ( لب الرجل بالمكان وألب ) إذا أقام فيه ، قال ابن الأنباري : وبهذا قال الخليل ، قال القاضي : قيل : هذه الإجابة لقوله تعالى لإبراهيم صلى الله عليه وسلم : وأذن في الناس بالحج وقال إبراهيم الحربي في معنى ( لبيك ) : أي قربا منك وطاعة ، والإلباب : القرب ، وقال أبو نصر : معناه : ( أنا ملب بين يديك ) أي : خاضع ، هذا آخر كلام القاضي .

                                                                                                                قوله : ( لبيك إن الحمد والنعمة ) يروى بكسر الهمزة من ( إن ) وفتحها ، وجهان مشهوران لأهل الحديث وأهل اللغة ، قال الجمهور : الكسر أجود ، قال الخطابي : الفتح رواية العامة ، وقال ثعلب : الاختيار الكسر وهو الأجود في المعنى من الفتح ؛ لأن من كسر جعل معناه : إن الحمد والنعمة لك على كل حال ، ومن فتح قال : معناه لبيك ؛ لهذا السبب .

                                                                                                                قوله : ( والنعمة لك ) المشهور فيه نصب النعمة ، قال القاضي : ويجوز رفعها على الابتداء ، ويكون الخبر محذوفا ، قال ابن الأنباري : وإن شئت جعلت خبر ( إن ) محذوفا تقديره : إن الحمد لك والنعمة مستقرة لك .

                                                                                                                وقوله : ( وسعديك ) قال القاضي : إعرابها وتثنيتها كما سبق في لبيك ، ومعناه : مساعدة لطاعتك بعد مساعدة .

                                                                                                                قوله : ( والخير بيديك ) أي : الخير كله بيد الله تعالى ومن فضله .

                                                                                                                قوله : ( والرغباء إليك والعمل ) قال القاضي : قال المازري : يروى بفتح الراء والمد ، وبضم الراء مع القصر ، ونظيره العلا والعلياء ، والنعمى والنعماء ، قال القاضي : حكى أبو علي فيه أيضا الفتح مع [ ص: 265 ] القصر ، ( الرغبى ) مثل ( سكرى ) ومعناه هنا : الطلب والمسألة إلى من بيده الخير ، وهو المقصود بالعمل المستحق للعبادة .




                                                                                                                الخدمات العلمية