الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                صفحة جزء
                                                                                                                باب الطيب للمحرم عند الإحرام

                                                                                                                1189 حدثنا محمد بن عباد أخبرنا سفيان عن الزهري عن عروة عن عائشة رضي الله عنها قالت طيبت رسول الله صلى الله عليه وسلم لحرمه حين أحرم ولحله قبل أن يطوف بالبيت

                                                                                                                التالي السابق


                                                                                                                قولها : ( طيبت رسول الله صلى الله عليه وسلم لحرمه حين أحرم ولحله قبل أن يطوف بالبيت ) ضبطوا ( لحرمه ) بضم الحاء وكسرها ، وقد سبق في شرح مقدمة مسلم ، والضم أكثر ، ولم يذكر الهروي وآخرون غيره ، وأنكر ثابت الضم على المحدثين ، وقال : الصواب الكسر ، والمراد بحرمه : الإحرام بالحج .

                                                                                                                وفيه دلالة على استحباب الطيب عند إرادة الإحرام ، وأنه لا بأس باستدامته بعد الإحرام ، وإنما يحرم ابتداؤه في الإحرام ، وهذا مذهبنا ، وبه قال خلائق من الصحابة والتابعين وجماهير المحدثين والفقهاء ، منهم سعد بن أبي وقاص ، وابن عباس وابن الزبير ومعاوية وعائشة وأم حبيبة وأبو حنيفة والثوري وأبو يوسف وأحمد وداود وغيرهم ، وقال آخرون بمنعه منهم : الزهري ومالك ومحمد بن الحسن ، وحكي أيضا عن جماعة من الصحابة والتابعين ، قال القاضي : وتأول هؤلاء حديث عائشة هذا على أنه تطيب ثم اغتسل بعده ، فذهب الطيب قبل الإحرام ، ويؤيد هذا قولها في الرواية الأخرى : ( طيبت رسول الله صلى الله عليه وسلم عند إحرامه ثم طاف على نسائه ثم أصبح محرما ) فظاهره أنه إنما تطيب لمباشرة نسائه ، ثم زال بالغسل بعده ، لا سيما وقد نقل أنه كان يتطهر من كل واحدة قبل الأخرى ، ولا يبقى مع ذلك ، ويكون قولها : ( ثم أصبح ينضخ طيبا ) أي قبل غسله ، وقد سبق في رواية لمسلم أن ذلك الطيب كان ذرة ، وهي مما يذهبه الغسل . قال : وقولها : ( كأني أنظر إلى وبيص الطيب في مفارق رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو محرم ) المراد به أثره لا جرمه . هذا كلام القاضي ، ولا يوافق عليه ؛ بل الصواب ما قاله الجمهور أن الطيب مستحب للإحرام ؛ لقولها : ( طيبته لحرمه ) ، وهذا ظاهر في أن الطيب للإحرام لا للنساء ، ويعضده قولها : ( كأني أنظر إلى وبيص الطيب ) والتأويل الذي قاله القاضي غير مقبول ؛ لمخالفته الظاهر بلا دليل يحملنا عليه ، وأما [ ص: 273 ] قولها : ( ولحله قبل أن يطوف ) فالمراد به طواف الإفاضة ، ففيه دلالة لاستباحة الطيب بعد رمي جمرة العقبة والحلق ، وقبل الطواف ، وهذا مذهب الشافعي والعلماء كافة إلا مالكا كرهه قبل طواف الإفاضة ، وهو محجوج بهذا الحديث .

                                                                                                                وقولها : ( لحله ) دليل على أنه حصل له تحلل ، وفي الحج تحللان يحصلان بثلاثة أشياء : رمي جمرة العقبة ، وطواف الإفاضة مع سعيه إن لم يكن سعى قبل طواف القدوم ، فإذا فعل الثلاثة ، حصل التحللان ، وإذا فعل اثنين منهما حصل التحلل الأول أي اثنين كانا ، ويحل بالتحلل الأول جميع المحرمات إلا الاستمتاع بالنساء ؛ فإنه لا يحل إلا بالثاني ، وقيل : يباح منهن غير الجماع بالتحلل الأول ، وهو قول بعض أصحابنا ، وللشافعي قول : إنه لا يحل بالأول إلا اللبس والحلق وقلم الأظفار ، والصواب ما سبق . والله أعلم .




                                                                                                                الخدمات العلمية