الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
[ ص: 3 ] { من يرد الله به خيرا يفقهه في الدين } " ( حديث شريف ) بسم الله الرحمن الرحيم كتاب الحدود

( الحد ) لغة المنع . وشرعا ( عقوبة مقدرة وجبت حقا لله تعالى ) زجرا ، فلا تجوز الشفاعة فيه [ ص: 4 ] بعد الوصول للحاكم ، وليس مطهرا عندنا بل المطهر التوبة . وأجمعوا أنها لا تسقط الحد في الدنيا ( فلا تعزير ) حد لعدم تقديره ( ولا قصاص حد ) لأنه حق المولى .

[ ص: 3 ]

التالي السابق


[ ص: 3 ] بسم الله الرحمن الرحيم كتاب الحدود

لما فرغ من الأيمان وكفارتها الدائرة بين العبادة والعقوبة ذكر بعدها العقوبات المحضة ، ولولا لزوم التفريق بين العبادات لكان ذكرها بعد الصوم أولى لاشتماله على بيان كفارة الفطر المغلب فيها جهة العقوبة نهر وفتح .

وهي ستة أنواع : حد الزنا ، وحد شرب الخمر خاصة ، وحد السكر من غيرها والكمية متحدة فيهما ، وحد القذف ، وحد السرقة ، وحد قطع الطريق ابن كمال ( قوله الحد لغة ) في بعض النسخ : هو لغة ، فالضمير عائد على الحد المفهوم من الحدود ( قوله المنع ) ومنه سمي البواب والسجان حدادا لمنع الأول من الدخول والثاني من الخروج ، و سمي المعرف للماهية حدا لمنعه من الدخول والخروج .

وحدود الدار نهاياتها لمنعها عن دخول ملك الغير فيها وخروج بعضها إليه ، وتمامه في الفتح ( قوله عقوبة ) أي جزاء بالضرب أو القطع أو الرجم أو القتل ، سمي بها ; لأنها تتلو الذنب ، من تعقبه : إذا تبعه قهستاني ( قوله مقدرة ) أي مبينة بالكتاب أو السنة أو الإجماع قهستاني أو المراد لها قدر خاص ، ولذا قال في النهر .

مقدرة بالموت في الرجم وفي غيره بالأسواط الآتية ا هـ أي وبالقطع الآتي ( قوله حقا لله تعالى ) ; لأنها شرعت لمصلحة تعود إلى كافة الناس من صيانة الأنساب والأموال والعقول والأعراض ( قوله زجرا ) بيان لحكمها الأصلي ، وهو الانزجار عما يتضرر به العباد من أنواع الفساد ، وهو وجه تسميتها حدودا .

قال في الفتح : والتحقيق ما قال بعض المشايخ : إنها موانع قبل الفعل ، زواجر بعده : أي العلم بشرعيتها يمنع الإقدام على الفعل ، وإيقاعها بعده يمنع من العود إليه ( قوله فلا تجوز الشفاعة فيه ) تفريع على قوله تجب إلخ قال في الفتح : [ ص: 4 ] فإنه طلب ترك الواجب ، ولذا { أنكر صلى الله عليه وسلم على أسامة بن زيد حين شفع في المخزومية التي سرقت فقال أتشفع في حد من حدود الله ؟ } " ( قوله بعد الوصول للحاكم ) وأما قبل الوصول إليه والثبوت عنده فتجوز الشفاعة عند الرافع له إلى الحاكم ليطلقه ; لأن وجوب الحد قبل ذلك لم يثبت ، فالوجوب لا يثبت بمجرد الفعل بل على الإمام عند الثبوت عنده كذا في الفتح .

وظاهره جواز الشفاعة بعد الوصول للحاكم قبل الثبوت عنده ، وبه صرح ط عن الحموي ( قوله بل المطهر التوبة ) فإذا حد ولم يتب يبقى عليه إثم المعصية . وذهب كثير من العلماء إلى أنه مطهر ، وأوضح دليلنا في النهر .

مطلب التوبة تسقط الحد قبل ثبوته ( قوله وأجمعوا إلخ ) الظاهر أن المراد أنها لا تسقط الحد الثابت عند الحاكم بعد الرفع إليه ، أما قبله فيسقط الحد بالتوبة حتى في قطاع الطريق سواء كان قبل جنايتهم على نفس أو عضو أو مال أو كان بعد شيء من ذلك كما سيأتي في بابه ، وبه صرح في البحر هنا خلافا لما في النهر ، نعم يبقى عليهم حق العبد من القصاص إن قتلوا والضمان إن أخذوا المال ، وقول البحر : والقطع إن أخذوا المال سبق قلم ، وصوابه والضمان .

والحاصل أن بقاء حق العبد لا ينافي سقوط الحد ، وكأنه في النهر توهم أن الباقي هو الحد وليس كذلك فافهم . وفي البحر عن الظهيرية : رجل أتى بفاحشة ثم تاب وأناب إلى الله تعالى فإنه لا يعلم القاضي بفاحشته لإقامة الحد عليه ; لأن الستر مندوب إليه . ا هـ .

وفي شرح الأشباه للبيري عن الجوهر : رجل شرب الخمر وزنى ثم تاب ولم يحد في الدنيا هل يحد له في الآخرة ؟ قال : الحدود حقوق الله تعالى إلا أنه تعلق بها حق الناس وهو الانزجار ، فإذا تاب توبة نصوحا أرجو أن لا يحد في الآخرة فإنه لا يكون أكثر من الكفر والردة وإنه يزول بالإسلام والتوبة ( قوله فلا تعزير حد ) تعزير ، اسم لا مبني معها على الفتح وحد خبرها ، وكذا قوله ولا قصاص حد ، وقدر الشارح خبرا للأول ; لأن الخبر المذكور مفرد لا يصلح خبرا لهما لكنه مصدر للجنس فيصلح لهما ، والخطب في ذلك سهل .

ثم إن الأول مفرع على قوله مقدرة ، والثاني على قوله وجبت حقا لله تعالى ، وقوله لعدم تقديره : أي تقدير التعزير أي كل أنواعه ; لأن المقدر بعضها وهو الضرب ، على أن الضرب وإن كان أقله ثلاثة وأكثره تسعة وثلاثون لكن ما بين الأقل والأكثر ليس بمقدر كما أفاده في البحر




الخدمات العلمية