الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            ( 4187 ) مسألة قال : ( ومن استؤجر لعمل شيء بعينه ، فمرض ، أقيم مقامه من يعمله ، والأجرة على المريض ) وجملة ذلك ، أنه يجوز استئجار الآدمي ، بغير خلاف بين أهل العلم ، وقد آجر موسى عليه السلام نفسه لرعاية الغنم . واستأجر النبي صلى الله عليه وسلم وأبو بكر رجلا ليدلهما على الطريق { . وذكر النبي صلى الله عليه وسلم رجلا استأجر أجراء ، كل أجير بفرق من ذرة ، وقال : إنما مثلكم ومثل أهل الكتاب ، كمثل رجل استأجر أجراء ، فقال : من يعمل لي من غدوة إلى نصف النهار على قيراط قيراط ؟ فعملت اليهود . ثم قال : من يعمل لي من نصف النهار إلى العصر على قيراط قيراط ؟ فعملت النصارى . ثم قال : من يعمل لي من العصر إلى غروب الشمس على قيراطين قيراطين ؟ فعملتم أنتم . فغضبت اليهود والنصارى ، وقالوا : نحن أكثر عملا وأقل أجرا فقال : هل ظلمتكم من أجركم شيئا ؟ قالوا : لا . قال : فإنما هو فضلي أوتيه من أشاء } . ولأنه يجوز الانتفاع به مع بقاء عينه ، فجازت إجارته ، كالدور . ثم إجارته تقع على ضربين أحدهما استئجاره مدة بعينها ، لعمل بعينه ، كإجارة موسى عليه السلام نفسه ثماني حجج ، واستئجار الأجراء المذكورين في الخبر

                                                                                                                                            والثاني ، استئجاره على عمل معين في الذمة ، كاستئجار النبي صلى الله عليه وسلم وأبي بكر دليلا يدلهما على الطريق ، واستئجار رجل لخياطة قميص أو بناء حائط ، ويتنوع ذلك نوعين : أحدهما أن تقع الإجارة على عين ، كإجارة عبده لرعاية غنمه ، أو ولده لعمل معين . والثاني أن تقع على عمل في الذمة [ ص: 267 ] كخياطة قميص وبناء حائط ، فمتى كانت على عمل في ذمته فمرض ، وجب عليه أن يقيم مقامه من يعمله ; لأنه حق وجب في ذمته ، فوجب عليه إيفاؤه ، كالمسلم فيه ، ولا يجب على المستأجر إنظاره ; لأن العقد بإطلاقه يقتضي التعجيل ، وفي التأخير إضرار به

                                                                                                                                            فأما إن كانت الإجارة على عبده في مدة أو غيرها ، فمرض لم يقم غيره مقامه ; لأن الإجارة وقعت على عمله بعينه ، لا على شيء في ذمته ، وعمل غيره ليس معقودا عليه ، وإنما وقع العقد على معين ، فأشبه ما لو اشترى معينا ، لم يجز أن يدفع إليه غيره ، ولا يبدله ، بخلاف ما لو وقع في الذمة ، فإنه يجوز إبدال المعيب ، ولا ينفسخ العقد بتلف ما تسلمه ، والمبيع المعين بخلافه ، فكذلك الإجارة . وإن كانت الإجارة على عمل في الذمة ، لكنه لا يقوم غير الأجير مقامه ، كالنسخ ، فإنه يختلف القصد فيه باختلاف الخطوط ، لم يكلف إقامة غيره مقامه ، ولا يلزم المستأجر قبول ذلك إن بذله الأجير ; لأن الغرض لا يحصل من غير الناسخ ، كحصوله منه ، فأشبه ما لو أسلم إليه في نوع ، فسلم إليه غيره

                                                                                                                                            وهكذا كل ما يختلف باختلاف الأعيان .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية