الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                      صفحة جزء
                                                                      باب في البكر يزوجها أبوها ولا يستأمرها

                                                                      2096 حدثنا عثمان بن أبي شيبة حدثنا حسين بن محمد حدثنا جرير بن حازم عن أيوب عن عكرمة عن ابن عباس أن جارية بكرا أتت النبي صلى الله عليه وسلم فذكرت أن أباها زوجها وهي كارهة فخيرها النبي صلى الله عليه وسلم حدثنا محمد بن عبيد حدثنا حماد بن زيد عن أيوب عن عكرمة عن النبي صلى الله عليه وسلم بهذا الحديث قال أبو داود لم يذكر ابن عباس وكذلك رواه الناس مرسلا معروف

                                                                      التالي السابق


                                                                      ( أن جارية بكرا أتت النبي صلى الله عليه وسلم إلخ ) : في الحديث دلالة على تحريم الإجبار للأب لابنته البكر على النكاح ، وغيره من الأولياء بالأولى . وإلى عدم جواز إجبار الأب [ ص: 96 ] ذهبت الحنفية لهذا الحديث ولحديث والبكر يستأمرها أبوها ويأتي في الباب الذي يليه .

                                                                      وذهب أحمد وإسحاق والشافعي إلى أن للأب إجبار ابنته البكر البالغة على النكاح عملا بمفهوم حديث الثيب أحق بنفسها من وليها فإنه دل على أن البكر بخلافها وأن الولي أحق بها ، ويرد بأنه مفهوم لا يقاوم المنطوق وبأنه لو أخذ بعمومه لزم في حق غير الأب من الأولياء وأن لا يخص بجواز الإجبار . وقال البيهقي في تقوية كلام الشافعي : إن حديث ابن عباس هذا محمول على أنه زوجها من غير كفء قال الحافظ في الفتح : جواب البيهقي هو المعتمد لأنها واقعة عين فلا يثبت الحكم بها تعميما . قال العلامة محمد بن إسماعيل الأمير [ ص: 97 ] في سبل السلام : كلام لهذين الإمامين يعني البيهقي والحافظ محاماة على كلام الشافعي ومذهبهم وإلا فتأويل البيهقي لا دليل عليه فلو كان كما قال لذكرته المرأة بل إنما قالت إنه زوجها وهي كارهة ، فالعلة كراهتها ، فعليها علق التخيير لأنها المذكورة ، فكأنه قال - صلى الله عليه وسلم - إذا كنت كارهة فأنت بالخيار . وقول الحافظ إنها واقعة عين كلام غير صحيح بل حكم عام لعموم علته ، فأينما وجدت الكراهة تثبت الحكم انتهى .

                                                                      قال المنذري : وأخرجه ابن ماجه . ( قال أبو داود لم يذكر ) : أي محمد بن عبيد ( ابن عباس ) : بالنصب على المفعولية ( وهكذا ) : أي بغير ذكر ابن عباس ( رواه الناس مرسلا ) : وصورته أن يقول التابعي سواء كان كبيرا أو صغيرا قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كذا وفعل كذا أو فعل بحضرته كذا أو نحو ذلك ( معروف ) : خبر مبتدأ محذوف أي روايتهم مرسلا معروف أو إرساله معروف . وما رواه الضعيف مخالفا للثقة يقال له المنكر ومقابله يقال به المعروف .

                                                                      وقد أورد الحافظ هذا الحديث في التلخيص من مصنف ابن أبي شيبة بالإسناد السابق [ ص: 98 ] الموصول . قال : ورجاله ثقات وأعل بالإرسال . وتفرد جرير بن حازم عن أيوب ، وتفرد حسين عن جرير وأيوب . وأجيب بأن أيوب بن سويد رواه عن الثوري عن أيوب موصولا ، وكذلك رواه معمر بن جدعان الرقي عن زيد بن حيان عن أيوب موصولا . وإذا اختلف في وصل الحديث وإرساله حكم لمن وصله على طريقة الفقهاء ، وعن الثاني بأن جريرا توبع عن أيوب كما ترى ، وعن الثالث بأن سليمان بن حرب تابع حسين بن محمد عن جرير انتهى .

                                                                      قال في الفتح : والطعن في الحديث فلا معنى له فإن طرقه تقوى بعضها ببعض انتهى .

                                                                      قال المنذري : وأخرجه ابن ماجه وأخرجه أبو داود أيضا مرسلا وقال وكذا رواه الناس مرسلا معروفا . وقال البيهقي : وهذا حديث أخطأ فيه جرير بن حازم على أيوب السختياني ، والمحفوظ عن أيوب عن عكرمة مرسلا ، وروي من وجه آخر عن عكرمة موصولا وهو أيضا خطأ ، وذكره من حديث عطاء عن جابر وقال هذا وهم والصواب مرسل وإن صح ذلك فكأنه كان وضعها في غير كفء فخيرها النبي - صلى الله عليه وسلم - انتهى . قلت : ما قاله البيهقي هو تأويل فاسد والحديث قوي حسن والله أعلم .




                                                                      الخدمات العلمية