الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                          صفحة جزء
                                                          [ زنأ ]

                                                          زنأ : زنأ إلى الشيء يزنأ زنأ وزنوءا : لجأ إليه . أزنأه إلى الأمر : ألجأه . وزنأ عليه إذا ضيق عليه ، مثقلة مهموزة . والزنء : الزنوء في الجبل . وزنأ في الجبل يزنأ زنأ وزنوءا : صعد فيه . قال : قيس بن عاصم المنقري وأخذ صبيا من أمه يرقصه ، وأمه منفوسة بنت زيد الفوارس ، والصبي هو حكيم ابنه :


                                                          أشبه أبا أمك ، أو أشبه حمل ولا تكونن كهلوف وكل     يصبح في مضجعه قد انجدل
                                                          وارق إلى الخيرات ، زنأ في الجبل



                                                          الهلوف : الثقيل الجافي العظيم اللحية . والوكل : الذي يكل أمره إلى غيره . وزعم الجوهري أن هذا الرجز للمرأة قالته ترقص ابنها ، فرده عليه أبو محمد بن بري ، ورواه هو وغيره على هذه الصورة . قال : وقالت أمه ترد على أبيه :


                                                          أشبه أخي ، أو أشبهن أباكا     أما أبي ، فلن تنال ذاكا
                                                          تقصر أن تناله يداكا

                                                          وأزنأ غيره : صعده . وفي الحديث : لا يصلي زانئ ، يعني الذي يصعد في الجبل حتى يستتم الصعود إما لأنه لا يتمكن ، أو مما يقع عليه من البهر والنهيج ، فيضيق لذلك نفسه ، من زنأ في الجبل إذا صعد . والزناء : الضيق والضيق جميعا ، وكل شيء ضيق زناء . وفي الحديث : أنه كان لا يحب من الدنيا إلا أزنأها أي أضيقها . وفي حديث سعد بن ضمرة : فزنؤوا عليه بالحجارة أي ضيقوا . قال : الأخطل يذكر القبر :


                                                          وإذا قذفت إلى زناء قعرها     غبراء ، مظلمة من الأحفار



                                                          وزنأ عليه تزنئة أي ضيق عليه . قال العفيف العبدي :


                                                          لاهم إن الحارث بن جبله     زنا على أبيه ثم قتله
                                                          وركب الشادخة المحجله     وكان في جاراته لا عهد له
                                                          وأي أمر سيء لا فعله

                                                          قال : وأصله زنأ على أبيه ، بالهمز . قال ابن السكيت : إنما ترك همزه ضرورة . والحارث هذا هو الحارث بن أبي شمر الغساني . فقال : إنه كان إذا أعجبته امرأة من بني قيس بعث إليها واغتصبها ، وفيه يقول خويلد بن نوفل الكلابي ، وأقوى :

                                                          يا أيها الملك المخوف أما ترى     ليلا وصبحا كيف يختلفان
                                                          ؟ هل تستطيع الشمس أن تأتي بها     ليلا وهل لك بالمليك يدان ؟
                                                          يا حار ، إنك ميت ومحاسب     واعلم بأن كما تدين تدان



                                                          وزنأ الظل يزنأ : قلص وقصر ودنا بعضه من بعض . قال : ابن مقبل [ ص: 62 ] يصف الإبل :


                                                          وتولج في الظل الزناء رءوسها     وتحسبها هيما ، وهن صحائح



                                                          وزنأ إلى الشيء يزنأ : دنا منه . وزنأ للخمسين زنأ : دنا لها . والزناء بالفتح والمد : القصير المجتمع . يقال : رجل زناء وظل زناء . والزناء : الحاقن لبوله . وفي الحديث : أن النبي ، صلى الله عليه وسلم ، قال : لا يصلين أحدكم وهو زناء أي بوزن جبان . ويقال : منه قد زنأ بوله يزنأ زنأ وزنوءا : احتقن ، وأزنأه هو إزناء إذا حقنه ، وأصله الضيق . قال : فكأن الحاقن سمي زناء لأن البول يحتقن فيضيق عليه ، والله أعلم .

                                                          التالي السابق


                                                          الخدمات العلمية